مضاف، أي مسه جنة أو تخبطها. والتعبير عنه صلّى الله عليه وسلّم ب (صاحبهم) للإيذان بأن طول مصاحبتهم له، مما يطلعهم على نزاهته عما ذكر، ففيه تأكيد للنكير، وتشديد له إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ أي رسول مخوّف مُبِينٌ أي موضح إنذاره، مبالغة في الإعذار.
ولما نعى عليهم تفكرهم في شأنه صلّى الله عليه وسلّم، أنكر إخلالهم في التأمل بالآيات التكوينية المنصوبة في الآفاق والأنفس، الشاهدة بصحة الآيات المنزلة، فقال سبحانه:
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا أي نظر استدلال فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ من الشمس والقمر والنجوم والسحاب. والملكوت: الملك العظيم وَالْأَرْضِ أي وفي ملكوت الأرض، من البحار والجبال والدواب والشجر وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ أي وفيما خلق الله مما يقع عليه اسم (الشيء) ، من أجناس لا يحصرها العدد، ولا يحيط بها الوصف وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ
عطف على (ملكوت) . أي في احتمال أن يهلكوا عما قريب، فيفارقوا الدنيا، وهم على أتعس الأحوال فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ أي القرآن يُؤْمِنُونَ أي إذا لم يؤمنوا به، وهو المعجز الجامع لكل ما يفيد الهداية. وفي هذا قطع لاحتمال إيمانهم رأسا، ونفي له بالكلية.
[تنبيه:]
قال الجشمي: تدل الآية على وجوب النظر في الأدلة، وأنها طريق المعرفة.
وتدل على أنه لا شيء ينظر فيه، إلا ويعرف الله تعالى به.
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ أي في كفرهم يتحيرون. يعني أن من كتب عليه الضلالة، فلا يهديه أحد، ولا يغنيه النظر، ولا الإنذار. كما قال تعالى: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس: ١٠١] ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [المائدة: ٤١] .