السماء وعدم الصلب. وإلا فلا معنى لظهور هذه الآيات. وثانيها- ما في الإنجيل أيضا أن المصلوب قد استسقى اليهود فأعطوه خلّا مضافا بمر. فذاقه ولم يشربه.
فنادى: إلهي إلهي لم خذلتني؟ والأناجيل كلها مصرحة بأنه عليه السلام كان يطوي أربعين يوما وأربعين ليلة. ويقول للتلاميذ: إن لي طعاما لستم تعرفونه. ومن يصبر على العطش والجوع أربعين يوما وليلة كيف يظهر الحاجة والمذلة لأعدائه بسبب عطش يوم واحد؟ هذا لا يفعله أدنى الناس، فكيف بخواصّ الأنبياء؟ أو كيف بالرب على ما تدعونه؟ فيكون حينئذ المدعى للعطش غيره. وهو الذي شبه لكم. وثالثها- قوله: إلهي إلهي لم خذلتني وتركتني؟ هو كلام يقتضى عدم الرضا بالقضاء، وعدم التسليم لأمر الله تعالى. وعيسى عليه السلام منزّه عن ذلك. فيكون المصلوب غيره.
لا سيما وأنتم تقولون: إن المسيح عليه السلام إنما نزل ليؤثر العالم على نفسه، ويخلّصه من الشيطان ورجسه. فكيف تروون عنه ما يؤدي إلى خلاف ذلك، مع روايتكم في توراتكم أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون، عليهم السلام، لما حضرهم الموت كانوا مستبشرين بلقاء ربهم، فرحين بانقلابهم إلى سعيهم، لم يجزعوا من الموت ولم يستقيلوا منه. ولم يهابوا مذاقه. مع أنهم عبيده. والمسيح بزعمكم ولد وربّ. فكان ينبغي أن يكون أثبت منهم. ولما لم يكن كذلك دلّ على أن المصلوب غيره، وهو الذي شبه لكم.
[فصل]
فيما روي عن سلفنا الكرام رضي الله عنهم في تفسير هذه الآية.
قال الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقيّ رحمه الله تعالى في (تفسيره) هنا ما نصه: وكان من خبر اليهود، عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه، أنه لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى، حسدوه على ما آتاه الله تعالى من النبوة والمعجزات. التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله. ويصوّر من الطين طائرا ثم ينفخ فيه فيكون طائرا يشاهد طيرانه بإذن الله عز وجل. إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه. ومع هذا كذبوه وخالفوه وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم. حتى جعل نبيّ الله عيسى عليه السلام لا يساكنهم في بلدة. بل يكثر السياحة هو وأمه عليهما السلام. ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان، وكان رجلا مشركا من عبدة الكواكب، وكان يقال لأهل ملته اليونان، وأنهوا إليه أن في بيت المقدس رجلا يفتن الناس ويضلهم ويفسد