على الملك رعاياه. فغضب الملك من هذا وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور. وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه. ويكفّ أذاه عن الناس. فلما وصل الكتاب امتثل والي بيت المقدس ذلك، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى عليه السلام. وهو في جماعة من أصحابه اثني عشر أو ثلاثة عشر وقيل سبعة عشر نفرا. وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت. فحصروه هنالك. فلما أحس بهم، وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم، قال لأصحابه: أيكم يلقى عليه شبهي وهو رفيقي في الجنة؟ فانتدب لذلك شاب منهم.
فكأنه استصغره عن ذلك. فأعادها ثانية وثالثة. وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب.
فقال: أنت هو. وألقى الله عليه شبه عيسى حتى كأنه هو. وفتحت روزنة من سقف البيت وأخذت عيسى سنة من النوم فرفع إلى السماء. وهو كذلك كما قال الله: إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ ... الآية.
فلما رفع، خرج أولئك النفر. فلما رأى أولئك النفر ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه. وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك، لجهلهم وقلة عقلهم. ما عدا من كان في البيت مع المسيح فإنهم شاهدوا رفعه. وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم. حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت. ويقال إنه خاطبها. والله أعلم. وهذا كله من امتحان الله عباده، لما له في ذلك من الحكمة البالغة. وقد أوضح الله الأمر وجلاه وبيّنه وأظهره في القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله الكريم، المؤيد بالمعجزات والبينات، والدلائل الواضحات، فقال تعالى وهو أصدق القائلين: ورب العالمين، المطلع على السرائر والضمائر، الذي يعلم السر في السموات والأرض، العالم بما كان ويكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء: ١٥٧] . أي: رأوا شبهه فظنوا أنه إياه. ولهذا قال: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النساء: ١٥٧] . يعني بذلك من ادعى أنه قتله من اليهود ومن سلمه إليهم من جهال النصارى. كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسعر. ولهذا قال: وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً [النساء: ١٥٧] . أي: وما قتلوه متيقنين أنه هو بل شاكّين متوهمين: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً، أي:
منيع الجناب لا يرام جنابه ولا يضام من لاذ ببابه. حَكِيماً أي: في جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور التي يخلقها. وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة والسلطان