للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أي بعد الموت بالبعث. فإن قيل: هم منكرون للإعادة، فكيف خوطبوا بها خطاب المعترف؟ أجيب بأنها لظهورها ووضوح براهينها، جعلوا كأنهم معترفون بها، لتمكنهم من معرفتها- فلم يبق لهم عذر في الإنكار. فلا حاجة إلى القول بأن منهم من اعترف بها، فالكلام بالنسبة إليه وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي مما ينزله من مائها وما يخرجه من نباتها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أمر له عليه الصلاة والسلام بتبكيتهم إثر تبكيت.

أي هاتوا برهانا عقليا أو نقليا، يدل على أن معه تعالى إلها. لا على أن غيره تعالى يقدر على شيء مما ذكر من أفعاله تعالى، فإنهم لا يدعونه صريحا. وفي إضافة (البرهان) إلى ضميرهم، تهكم بهم. لما فيها من إيهام أن لهم برهانا. وأنّى لهم ذلك؟ قاله أبو السعود قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ أي فإنه المتفرد بذلك وحده، كما قاله: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ [الأنعام:

٥٩] ، في آيات لا تحصى. والاستثناء منقطع، لاستحالة أن يكون تعالى ممن في السماء والأرض، أو متصل، على أن المراد ممن في السموات والأرض، من تعلق علمه بها واطلع عليها اطلاع الحاضر فيها مجازا مرسلا أو استعارة. فإنه يعمّ الله تعالى وأولي العلم من خلقه وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ أي متى ينشرون.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النمل (٢٧) : آية ٦٦]]

بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦)

بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ قال السمين: فيه وجهان: أحدهما- أن (في) على بابها، و (ادّارك) وإن كان ماضيا لفظا، فهو مستقبل معنى، لأنه كائن قطعا.

كقوله أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل: ١] .

وعلى هذا ف (في) متعلق ب (ادّارك) .

والثاني- أن (في) بمعنى الباء. أي بالآخرة.

وعلى هذا فيتعلق بنفس علمهم. كقولك (علمي بزيد كذا) انتهى.

والوجه الثاني على الاستفهام. أي بل هل ادّارك علمهم فيها، أي بلغ وانتهى؟

كلا. وقد قرئ (بل أءدرك) بهمزتين، (بل ءاأدرك) بألف بينهما، (أم أدرك) و (أم تدارك) .

قال الرازيّ: وهي (أم) التي بمعنى (بل) والهمزة. فالمعنى على الاستفهام

<<  <  ج: ص:  >  >>