قلب لا تزول. لثباتها بما تولاها الحفيظ العليم، فلا يرتد أحد عن دينه سخطة له بعد أن خالط الإيمان بشاشة قلبه. والجملة اعتراضيه مقررة لما في صِبْغَةَ اللَّهِ من معنى الابتهاج وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ شكرا لتلك النعمة ولسائر نعمه. فكيف تذهب عنا صبغته ونحن نؤكدها بالعبادة، وهي تزيل رين القلب فينطبع فيه صورة الهداية.
قُلْ منكرا لمحاجتهم وموبّخا لهم عليها أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ أي أتناظروننا في توحيد الله والإخلاص له واتباع الهدى وترك الهوى وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ المستحق لإخلاص العبودية له وحده لا شريك له، ونحن وأنتم في العبودية له سواء وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ أي نحن برءاء منكم ومما تعبدون، وأنتم برءاء منا. كما قال في الآية الأخرى: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [يونس: ٤١] . وقال تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [آل عمران: ٢٠] الآية. وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ في العبادة والتوجه، لا نشرك به شيئا وأنتم تشركون به عزيرا والمسيح والأحبار والرهبان. ولمّا بقي من مباهتاتهم وادعاؤهم أن أسلافهم كانوا على دينهم، أبطلها سبحانه بقوله:
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ خليل الله وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ابنيه وَيَعْقُوبَ ابن إسحاق وَالْأَسْباطَ أولاد يعقوب كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى أي على ملتهم. إما اليهودية وإما النصرانية قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ أي الذي له الإحاطة كلها أعلم. فلا يمكنهم أن يقولوا: نحن. وإن قالوا: الله، فقد برأ الله إبراهيم ومن معه من ذلك.
فبطل ما ادعوا. وثبت أنهم، عليهم السلام، كانوا على الحنيفية مسلمين مبرّئين عن اليهودية والنصرانية، هذا مع أن ردّ قولهم هذا أظهر ظاهر من حيث إنه لا يعقل أن