يستحيل تواطؤهم على الكذب. والإنجيل أيضا مخبر عن الصلب. فإن جوزتم كذبهم، وكذب ما يدعي أنه الإنجيل، وإن مثل هؤلاء ممكن تواطؤهم على الكذب- لزم المحال من وجوه: أحدها- أنه يتعذر عليكم أيها المسلمون، جعل القرآن متواترا. وثانيها- أن قاعدة التواتر تبطل بالكلية.
فإن غاية خبر التواتر يصل إلى مثل هذا. وثالثها- أن إنكار الأمور المتواترة.
جحد للضرورة، فلا يسمع. فلو قال إنسان: الخبر عن وجود بغداد ودمشق كذب، لم يسمع ذلك منه، وعدّ خارجا عن دائرة العقلاء. وحينئذ يتعين أن القول بالصلب حق وأن إخبار المسلمين والقرآن عن عدم ذلك، مشكل.
والجواب من وجوه: أحدها- أن جميع النصارى واليهود يوردون هذا السؤال ولا يعلمون حقيقة التواتر ولا شروطه. وإنما فهم ذلك وغيره هذه الأمة المحمدية والملة الإسلامية! لعلو قدرها وشرفها واختصاصها بمعاقد العلوم وأزمتها. دون غيرها. كما هو مسلم عند كل درّي (كذا) منصف. وها نحن نوضح ذلك إن شاء الله تعالى فنقول: إن التواتر له شروط: الشرط الأول- أن يكون المخبر عنه أمرا محسوسا. ويدل على اعتبار هذا الشرط، أن الأمة العظيمة قد تخبر عن القضايا الجسيمة وهي باطلة. كإخبار المعطلة عن عدم الصانع والفلاسفة عن قدم العالم. مع بطلان ذلك عند أمم كثيرة. وسببه أن مجال النظر يكثر فيه وقوع الخطأ. فلا يثق الإنسان بالخبر عن العقليات، حتى ينظر فيجد البرهان العقليّ يعضد ذلك الخبر.
فحينئذ يقطع بصحة ذلك الخبر. أما الأمور المحسوسة، مثل المبصرات ونحوها فشديدة البعد على الخطأ. وإنما يقع الخلل من التواطؤ على الكذب. فإذا كان المخبرون يستحيل تواطؤهم على الكذب حصل القطع بصحة الخبر. الشرط الثاني- استواء الطرفين والواسطة. وتحرير هذا الشرط أن المخبرين لنا، إذا كانوا يستحيل تواطؤهم على الكذب وكانوا هم المباشرين لذلك الأمر المحسوس، المخبر عنه، حصل العلم بخبرهم. وإن لم يكن المخبر لنا هو المباشر لذلك الأمور المحسوس، بل ينقلون عن غيرهم أنه أخبرهم بذلك، فلا بد أن يكون الغير المباشر عددا يستحيل تواطؤهم على الكذب، فإنه إن جاز الكذب عليه، وهو أصل هؤلاء المخبرين لنا، فإذا لم يبق الأصل لم يبق المفرع عليه. فلا يلزم من كون المخبر لنا يستحيل تواطؤهم على الكذب حصول العلم بخبرهم. لجواز فساد أصلهم المعتمدين عليه. فيتعين أن يكون الأصل عددا يستحيل توطؤهم على الكذب.
فهذا معنى قولنا:(استواء الطرفين) في كونهما عددا يستحيل تواطؤهما على