للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وكنا أيها الثلاثة الذين خلّفنا عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين خلفوا، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وليس الذي ذكر مما خلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له، واعتذر إليه، فقبل منه.

وفي رواية: ونهى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن كلامي، وكلام صاحبيّ، ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا، فاجتنب الناس كلامنا، فلبثت كذلك حتى طال عليّ الأمر، فما من شيء أهمّ إليّ من أن أموت، فلا يصلّ عليّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. أو يموت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأكون من الناس بتلك المنزلة، فلا يكلمني أحد منهم، ولا يصلّى عليّ، ولا يسلّم عليّ.

قال: وأنزل الله عز وجل توبتنا على نبيه صلّى الله عليه وسلّم حين بقي الثلث الأخير من الليل، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند أم سلمة، وكانت أم سلمة محسنة في شأني، معتنية بأمري. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا أم سلمة تيب على كعب بن مالك. قالت: أفلا أرسل إليه فأبشره؟ قال: إذا يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليل. حتى إذا صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الفجر، آذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتوبة الله علينا- أخرجه البخاري ومسلم-.

قال ابن كثير: هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته، وقد تضمن تفسير الآية بأحسن الوجوه وأبسطها.

الثاني- قال بعض المفسرين: في الآية دليل على الشدة على من فعل الخطيئة، وعلى قطع ما يلهي عن الطاعة.

الثالث- في الآية دلالة على التحريض على الصدق.

قال القاشانيّ: في قوله تعالى هنا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ أي في جميع الرذائل بالاجتناب عنها، خاصة رذيلة الكذب. وذلك معنى قوله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فإن الكذب أسوأ الرذائل وأقبحها، لكونه ينافي المروءة. وقد قيل: (لا مروءة لكذوب) إذ المراد من الكلام الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان إخبار الغير عما لا يعلم، فإذا كان الخبر غير مطابق، لم تحصل فائدة النطق، وحصل منه اعتقاد غير مطابق، وذلك من خواص الشيطنة فالكاذب شيطان. وكما أن الكذب أقبح الرذائل، فالصدق أحسن الفضائل، وأصل كل حسنة، ومادة كل خصلة

<<  <  ج: ص:  >  >>