للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن الروم كانوا صابئة. ثم قهرهم على التنصر قسطنطين لما ملكهم. فقال أوائل النسطورية: إن عيسى هو الله. وقال أوائل اليعاقبة: إنه ابن الله. وقال أوائل الملكانية: إن الآلهة ثلاثة. أحدهم عيسى. ثم عدل أواخرهم عن التصريح بهذا القول المستنكر، حين استنكرته النفوس، ودفعته العقول، فقالوا: إن الله تعالى جوهر واحد. هو ثلاثة أقانيم: أقنوم الأب. وأقنوم الابن. وأقنوم روح القدس. وأنها واحدة في الجوهرية. وأن أقنوم الأب هو الذات. وأقنوم الابن هو الكلمة. وأقنوم روح القدس هو الحياة. واختلفوا في الأقانيم. فقال بعضهم: هي خواص. وقال بعضهم: هي أشخاص. وقال بعضهم: هي صفات. وقالوا: إن الكلمة اتحدت بعيسى. واختلفوا في الاتحاد.

ثم قال: وليس لهذه المذاهب شبهة تقبلها العقول. وفسادها ظاهر في المعقول. وقوله تعالى انْتَهُوا أي: عن التثليث خَيْراً لَكُمْ أي: انتهاء خيرا. أو اقصدوا خيرا من التثليث وهو التوحيد إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ أي: بالذات. لا تعدد فيه بوجه ما. وبقوله: سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ تنزيه لمقامه جل شأنه، عما زعموه من نبوّة عيسى. حيث قالوا: إنه الله وابن الله. والذي أوقعهم في هذه المهلكة الوخيمة، والورطة الجسيمة، ما ورد موهما من ألفاظ الإنجيل كالأب والابن. فلم يحملوها على ما أريد منها. وحملوها على ظاهرها. فضلّوا وأضلّوا. وفي (منية الأذكياء) ما نصه: وأما ما ورد في الإنجيل الموجود الآن، من إطلاق ابن الله على عيسى عليه السلام، فهو- إن لم يكن مما حرّف. يكون مجازا، بمعنى ابن المحبة. كما يقال: فلان من أبناء الدنيا. ونظير ذلك قول عيسى عليه السلام لليهود، حين ادعوا أن لهم أبا واحدا هو الله: (لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني) . ثم قال لهم. (أنتم من أب هو إبليس. وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا) ادعت اليهود أن الله تعالى أبوهم. أي أنهم مطيعون له إطاعة الابن للأب. فكذبهم عيسى عليه السلام وجعلهم أبناء الشيطان. أي أنهم مطيعون له. ولا يخفي أن الابن والأب هنا مجازان.

وقد كثر إطلاق اسم الأب على الله تعالى. واسم الابن على العبد الصالح، في الكتب السالفة. فهو إما من الخبط في الترجمة. وإما مؤوّل بما ذكرنا، فلا تغفل. لكن قد منع من هذا الإطلاق في الملة المحمدية بالكلية، تحرزا من الإيهام والوقوع في شرك الأوهام. وهذا هو الطريق الرشد. وقوله تعالى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تعالى للتنزهه مما نسب إليه. بمعنى أن كل ما فيهما خلقه وملكه. فكيف يكون بعض ملكه جزءا منه؟ إذ البنوّة والملك لا يجتمعان وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي: إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>