للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه الناس. يقولون: هذا محمد..! حتى خرج عليه العواتق من البيوت- قال- وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يضرب الناس بين يديه- فلمّا كثر عليه ركب. والمشي والسعي أفضل.

وفي الصحيحين «١» عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما سعى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوّته ... !

وعن كريب مولى ابن عباس: أنّ ابن عباس قال «٢» : ليس السعي ببطن الوادي بين الصفا والمروة بسنّة، إنما كان أهل الجاهلية يسعونها ويقولون: لا نجيز البطحاء إلّا شدّا..! رواه البخاري تعليقا، ووصله أبو نعيم في مستخرجه. قال شرّاح الصحيح: المراد بالسعي المنفيّ هو شدّة المشي والعدو. فهو، رضي الله عنه، لم ينف سنية السعي المجرد، بل مجاوزة الوادي بقوّة وعدو شديد، إذ أصل السعي هديه صلّى الله عليه وسلّم، والله أعلم.

الثالث: في البخاريّ «٣» عن ابن عباس في قصّة هاجر أم إسماعيل: إنّ الطواف بينهما مأخوذ من طوافها وتردادها في طلب الماء. ولفظه: وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى (أو قال، يتلبط) فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرّات.

قال ابن عباس: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فذلك سعي الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا ... الحديث.

قال ابن كثير: لما ترددت هاجر في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة، تطلب الغوث من الله تعالى متذللة، خائفة، مضطرة، فقيرة إلى الله عزّ وجلّ، كشف تعالى كربتها، وآنس غربتها، وفرج شدّتها، وأنبع لها زمزم التي طعامها طعام طعم،


(١) أخرجه البخاريّ في: المغازي، ٤٣- باب عمرة القضاء، حديث ٨٦٢. [.....]
(٢) أخرجه البخاريّ في: مناقب الأنصار، ٢٧- باب القسامة في الجاهلية، حديث ١٨٠٤.
(٣) أخرجه البخاريّ في: الأنبياء، ٩- باب يزفون. النسلان في المشي حديث ١١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>