للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الإمام أبو الحسن الأشعريّ رحمه الله تعالى في كتاب (الإبانة) في باب (الكلام في الوجه والعينين والبصر واليدين) وذكر الآيات في ذلك. ورد على المتأولين بكلام طويل لا يتسع هذا الموضع لحكايته. مثل قوله:

فإن سئلنا: أتقولون لله يدان؟ قيل: نقول ذلك، وقد دل عليه قوله يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح: ١٠] وقوله تعالى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥]

وروي «١» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ان الله مسح ظهر آدم بيده فاستخرج منه ذرية

،

وقد جاء في الخبر المأثور عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: أن الله خلق آدم بيده، وخلق جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس شجرة طوبى بيده.

وليس يجوز في لسان العرب، ولا في عادة أهل الخطاب، أن يقول القائل: عملت كذا بيدي، ويعني به النعمة. وإذا كان الله إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري في مفهومها في كلامها، ومعقولا في خطابها، وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: فعلت بيدي، ويعني به النعمة- بطل أن يكون معنى قوله عز وجل بِيَدَيَّ النعمة. وذكر كلاما طويلا في تقرير هذا ونحوه.

وقال القاضي أبو بكر الباقلانيّ في كتاب (الإبانة) له:

فإن قال: فما الدليل على أنّ لله وجها ويدا؟ قيل له: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [الرحمن: ٢٧] ، وقوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فأثبت لنفسه وجها ويدا: فإن قال: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة إذ كنتم لا تعقلون وجها ويدا إلّا جارحة؟ قلنا: لا يجب هذا كما لا يجب- إذا لم نعقل حيّا عالما قادرا إلّا جسما- أن نقضي نحن وأنتم بذلك على الله سبحانه.

وقال الشيخ تقيّ الدين في (الرسالة المدنية)


(١)
أخرجه أبو داود في: السنة، ١٦- باب في القدر، حديث ٤٧٠٣ ونصه: عن مسلم بن يسار الجهني، أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ.
فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله عز وجل خلق آدم. ثم مسح ظهره بيمينه. فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون» .
فقال رجل: يا رسول الله! ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله الجنة. وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله به النار
.

<<  <  ج: ص:  >  >>