وكذا التوراة والإنجيل الموجودين وأنهما لم يحرفا تحريفا جوهريا. واعتقد بصلب المسيح يقينا. وصار يناقش المفسرين فيما فسروا به الآية المذكورة، أعني آية الصلب. زاعما أن المنفيّ عن اليهود فيها هو نسبه الفعل لهم توبيخا لتهكمهم وازدرائهم. وردّ فعل الصلب إليه تعالى. وقد توسع في هذا الموضوع وألف كتابا سماه (المعتقد الصحيح في صلب السيد المسيح) ولما كان مبحثه غريبا جدّا، أردت أن أورد هنا بعض تمويهاته في رسالته. وأعقبها بما فوّق عليه من سهام ردود تهافته.
قال في أول رسالته: إن التباس فهم آية الصلب هو غالبا في تقدير نائب الفاعل لفعل (شبّه لهم) فإنا إن قدرنا نائب الفاعل مصدرا مأخوذا من الفعل السابق المذكور في الآية (وما قتلوه وما صلبوه) وكان التقدير شبه لهم أنهم قتلوه وأنهم صلبوه. أو شبه لهم قتلهم له وصلبهم إياه. والمعنى أنه مثل أو خيّل لهم أنهم كانوا هم القاتلين وهم الصالبين- انحلت المسألة تقريبا. وزالت كل صعوبة تأويل. حيث إن السيد المسيح لم يقتل أصلا. ولا صلب قهرا. أو مات جبرا. أو اضطرارا. بل هو من نفسه (على زعمه) قدم ذاته للصلب عن رغبته واختياره ورضاه. فكأنّ اليهود لم يفعلوا شيئا بقدرتهم ومجرد إرادتهم. حتى يحق لهم الافتخار بأنهم قتلوه. وأما إن قدّر المسيح نائب الفاعل ل (شبه) تعقدت المسألة وضاع السياق اللغويّ. لأنه لا وجه، لغويا، في الآية يثبت وقوع الصلب على رجل آخر غيره. إذ لم يذكر صريحا ولا إشارة.
ثم ذكر في الفصل السادس أن القرآن العزيز لم يؤنب النصارى، ولا مرة، على ضلال اعتقادهم بصلب المسيح وموته وقيامته. ولا كذب الإنجيل أو الحواريين. ولا لام الذين آمنوا بصلب المسيح. حال كونه نبههم مرارا على غير ضلالات عندهم.
وذكر فيه أيضا: لم ترد أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفي صلبه. وفيه أيضا: أن هذه الآية يصح تأويلها إيجابيا طبقا لما في الإنجيل. بما أن عدة آيات أخرى قرآنية مجانسة لها أوّلت بخلاف ظاهرها اللفظيّ. كأفعال المبايعة والرمي والموت والحياة وما أشبه ذلك. التي نسبت صريحا لغير فاعلها الظاهر.
وقال في الفصل العاشر: أما قولنا إن القرآن العزيز قصد نفي نسبة فعل الصلب لليهود وإسناده لله حقيقة، فهو استناد على قوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: ١٧] ، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ