[الفتح: ١٠] ، فهنا الفاعل الظاهر حسّا وفعلا إنما هو الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. ولكن الفاعل الحقيقيّ إنما هو الله الفاعل كل شيء في الكل.
ثم قال: وربما يعترض أنه ذكر في الآية نفسها أن الله رمى، وإنه تعالى هو المبايع، فنقول: كذلك في آي الصلب وإخباره مرارا عديدة صرح في الإنجيل أن الفاعل والمسلّم والبازل والحاكم والآذن في أمر الصلب إنما هو الله جلّ جلاله.
ثم قال: نقول أخيرا: إن آية الصلب القرآنية هي صحيحة في ذاتها تماما وكمالا. ومطابقة أشد المطابقة لما ورد في نفس القرآن بهذا الشأن. ولكلّ فحوى أسفار الميثاقين أو العهدين. بكل بيان. إنما تفسيرها بمطلق النفي كان وما زال غلطا وضدّ الحقيقة والذوق اللغويّ. وضد ما جانسها في الآي الأخرى من نفس القرآن. ومن نصوص سائر الكتب المنزلة. ولا سيما الإنجيل، الذي زبدته وروحه وقوامه وخلاصته هي كون المسيح صلب ومات وقام وعرج إلى السماء. وأرسل البارقليط الآخر الرسول محمدا مبلغ القرآن العظيم، الحاوي روح الصدق والحق، والمذكر بكل ما قال المسيح في الإنجيل الشريف.
ثم قال: إن إنكار أمر الصلب أو إثباته ليس من الأركان في الدين عند المحمديين. ولا هو محرّم قطعا الاختلاف في تفسير بعض آيات. وقد وجد ويوجد عدة اختلافات عند اليهود والنصارى والمسلمين. وليس ذلك محرما إلا إذا آل لإنكار أو لإفساد نفس الآيات. أو إيقاع الشبهة على ذات نصوص الوحي. ففي آية الصلب ليس شيء من ذلك. بل بالعكس تأييد كل النصوص الإلهية.
هذا خلاصة ما أورده في رسالته. وقد رد عليه من الفضلاء المسلمين عدد وافر، في تآليف بديعة. منها كتاب (السيوف البتّارة) اعتمد مؤلفها في إيراد حججها على التواريخ الإفرنجية المعول عليها. فإن الإفرنج أعرف من غيرهم بحقيقة ما يهمهم، وأبعد من مظنة التشيّع في شهادتهم على أنفسهم، في أمر دينهم.
قال رعاه الله: يعلم الواقف على حقائق التاريخ أن مسألة الصلب من أهم المسائل التي ولدت الشقاق والنفرة فيما بين النصارى عموما ونصارى مصر والشام في الأجيال الأولى خصوصا. فإنهم كانوا غالبا يرفضون حصول الصلب رفضا باتا.
لأن بعضهم كان يعتبره إهانة لشرف المسيح، ونقصا فاضحا. والبعض الآخر كان يجحده ارتكانا على الأدلة التاريخية. وهؤلاء الجاحدون للصلب طوائف كثيرة. منها: