للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الساطر نيوسيون والمركيونيون والبارديسيانيون والتاتيانيسيون والكاربوكراتيون والمانيسيون والبارسكاليونيون والبوليسيون. إذ كلهم اعتقدوا، مع كثيرين غيرهم، بأنه لا يمكنهم أن يسلموا بنوع من الأنواع، أن المسيح سمّر فعلا، أو مات على الصليب حقيقة. حتى استخفّوا بالصليب والصلب. وقال بعض المؤرخين الأفاضل:

إن الخلاف الذي وقع بين النصارى في مبدأ الأمر كان سببا في انسلاخ جملة طوائف وتشتتها واعتبارها في رأي آخرين مارقة من الدين. ولكن هذه الطوائف المضطهدة المهضومة كانت أفكارها منطبقة على الأصول النصرانية عقلا ونقلا. بخلاف أفكار مضطهديهم، فإن هذه الطوائف بنت على ألوهية عيسى عليه الصلاة والسلام أنه لا يجوز أن يمتهن. واستنتجت من هذا أنه لم يصلب قطعا. وأن ألفاظ التوجع والتضجر، التي نسبتها إليه كتب النصارى المتأخرين، لم يتفوّه بها ولا تصح نسبتها إليه. وبالجملة إن الشخص المصلوب غير عيسى قطعا. وأنه عليه الصلاة والسلام لم تسلط عليه أيدي مضطهديه. بل رفع إلى السماء. ومن القائلين. بهذه الأفكار الدوسيتية والمرسيونية والفلنطانيائية. وغير خاف أنه حتى على فرض البنوة فقط، لا يمكن عقلا أن يتصور صلبه. انتهى.

ويؤيد هذا ما قاله الباحث الشهير الموسيو إدوار سيوس، أحد أعضاء (الانستيتو دي فرنس) في باريس. المشهور بمعارضته المسلمين في كتابه (عقيدة المسلمين في بعض المسائل النصرانية) صحيفة (٤٩) : إن القرآن ينفي قتل عيسى وصلبه. ويقول بأنه ألقي شبهه على غيره فغلط اليهود فيه وظنوا أنهم قتلوه. وإن ما قاله القرآن موجود عند طوائف النصرانية منه الباسيليديون. كانوا يعتقدون، بغاية السخافة، أن عيسى وهو ذاهب لمحل الصلب، ألقي شبهه على سيمون السيرناي تماما، وألقي شبه سيمون عليه. ثم أخفى نفسه ليضحك استهزاء على مضطهديه الغالطين. ومنهم السيرنتيون، فإنهم قرروا أن أحد الحواريين صلب بدل عيسى. وقد عثر على فصل من كتب الحواريين. وإذا كلامه نفس كلام الباسيليديين. وقد صرح (إنجيل القديس برنابا) باسم الذي صلب بدل عيسى قال: إنه يهوذا. انتهى.

ولم يردّ المؤرخ، المترجم كلامه، على هذا الإنجيل، إلا بدعوى أنه كلام لا يعول عليه. وهذا الرد من رجل صدر نفسه للرد على المسلمين غير كاف. فيستفاد من جميع ما ذكر أن جمّا غفيرا من طوائف النصارى ذوات البال والأهمية، كانت تنبذ عقيدة صلب المسيح نبذا، وتفندها تفنيدا وما زالوا كذلك حتى جاء الإسلام فدخلوا فيه أفواجا. لإنكار القرآن. وما أنكروه من الصلب وغيره. وبالجملة فإن أغلب

<<  <  ج: ص:  >  >>