للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعوب الشرقية، قبل الفتح الإسلاميّ، رفضت القتل والصلب. حتى قال ياسيليوس الباسليدي: إن نفس حادثة القيامة، المدعى بها بعد الصلب الموهوم، هي من ضمن البراهين الدالة على عدم حصول الصلب. ومن المعلوم أن نصارى الشام هم الذين وقعت هذه الحادثة بينهم. فهم أقرب الناس إلى العمل بحقيقتها. وكذلك من جاورهم من نصارى المصريين وغيرهم. لحصول الجوار وقرب المسافة. فكيف لا تكون شهادتهم هي عين الصواب؟ وبذلك يتبين أن دعوى (صاحب جريدة شهادة الحق) الإجماع على الصلب وانفراد القرآن الشريف بنفيه- غير مسلمة، مع وجود هذه الطوائف المنازعة في الصلب. وقد صرح القرآن بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث لتصديق ما بين يديه من الحق وتبيين ما اختلف فيه طوائف النصارى مع اليهود، والنصارى مع بعضهم بعضا. ولو حكمنا التاريخ لشهد لهؤلاء الناس وبرّز أقوالهم.

وذلك أن أهل فلسطين كانوا يعبدون الأوثان ويخالفون بني إسرائيل في ديانتهم.

فكان من مبادئهم، العاملين عليها في سياستهم العمومية، بذل المجهود وإفراغ الوسع في معاكسة عقائد اليهود. لإدخالهم في الديانة الوثنية وتقويض دعائم الشريعة الموسوية. والضغط على شعائرهم الملية. يشهد لهذا أقوال الكاتب الشهير (أرنست رنان) العضو في (الأكاديمية الفرنساوية) المنفرد بالإجادة والشهرة، في رسالة نشرت في جريدة العالمين في ١٥ مارس ١٨٩٣. معنونة ب (اليهود تحت حكم الرومان) حيث قال: إن كل المناصب ذوات المرتب الباهظ كانت تعطى غنيمة باردة لليهود الذين يطرحون دينهم ظهريا. ويجعلون شعائرهم الملية شينا.

ويعتنقون ديانة الرومان الوثنية. فكان من ضغط الرومان ومن تزلف اليهود إليهم، ومن أطماعهم إلى الرتب والألقاب، أن ارتد غالب سواد اليهود وعبدوا جوبيتر الألومبي. وكان الواحد منهم يخفي الاختتان بعملية شاقة جدّا (ذكرها سلس المؤرخ الروماني الشهير) ثم يتزيى بزي الرومان ويسحب ذيوله تيها وإعجابا بنفسه وبعوائد الرومان. وازدراء واحتقارا لبني جلدته وذوي ملته. فرحا بلقمة يلتقمها. أو مرتبة يتربع في دستها. وما زالت اليهود تترومن حتى أن الأحبار غادروا الهيكل والمجامع.

واشتغلوا بملاعب الرومان الرياضية. وأخيرا آل الأمر، قبل وجود عيسى عليه السلام، إلى إدخال صنمهم الأكبر ووضعه في محل تقريب القربان نفسه. بحيث أن القربانات كانت تعمل أمامه. حتى كادت معالم اليهودية أن تنمحي من صحيفة الوجود. ووقع ذلك سيء الوقع وأثّر أردأ تأثير في نفوس البقية القليلة من اليهود التي اعتصمت بدينها. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>