للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يعلم مقدار ضغط الرومان على اليهود لمحو آثار دينهم من الوجود.

فليس من المعقول أن الحكومة، وهي ما ترى من الكراهة الدينية لليهود، تجيبهم إلى ما طلبوا من تنفيذ أمر الصلب. أو تعيره أدنى ذرة من الأهمية. خصوصا والحاكم الرومانيّ على فلسطين في ذلك الوقت، كان يكره اليهود كما يكره أن يلقى في النار.

وهم يكرهونه أشد من ذلك. دليلنا على ذلك ما كتبه المسيو رنان المذكور في كتابه المشهور المسمى (حياة المسيح) حينما تكلم على شكاية اليهود من عيسى بدعوى أنه غيّر التوراة. وكان ذلك على زعمهم ليستوجب قتله. حيث قال: إن حاكم فلسطين المسمى (بونسيوس) الملقب (بيلاطس) - أظهر عدم عنايته بمنازعات اليهود الداخلية وشكاويهم وخصوماتهم. بل كان يعتبر أن هذه الأعمال صادرة عن عقول مختلفة وأفكار معتلة. وبالإجمال، كان يكره اليهود وهم يكرهونه أشد من كراهته لهم. لأنهم كانوا يجدونه قاسيا ذا أنفة وكبر. غير مكترث بهم. ولقد رموه وعابوه بجنايات لا يسعها عقل عاقل. والمتمسكون بدينهم منهم رأوا أن غرض بيلاطس هذا، سحق أثر الشريعة الموسوية سحقا ومحوها محوا. وتعصبهم الأعمى وكراهتهم الدينية له جعلاه يأنف من أفكارهم. فإنه كان يميل كل الميل إلى الأحكام الوضعية الرومانية. التي كانت نهاية فخر كل رومانيّ في ذلك الحين. وكان يرى أفكار اليهود سخيفة تقهقرية. لأنه كلما هم بجلب النافع العام، وسن مشروع يضمن الراحة والرفاهية، قام الأحبار عن آخرهم وعارضوه بتفسير التوراة التي كانت تسدّ في وجهه أبواب التحسين والتغيير. فلم يعتن بجرح حواسهم ومسّ شرفهم ومعالمهم الدينية.

وعاملهم بالقسوة والكبر وعدم تنفيذ رغباتهم. فانشعب الأمر ودام الفشل. وأخيرا اضطرت الحكومة إلى إقالته من منصبه بسبب قيامة اليهود عليه. ولقد كانت نفس بيلاطس تضيق، وصدره يحرج عند مجيء شكوى ضد عيسى عليه الصلاة والسلام.

حيث كان لا يسمح بتنفيذ أمر القتل عليه. وعيسى ضد اليهود، ويعيب التوراة كما يقولون. فكان ذلك عن رغبة الحاكم. وجلّ ما يتمنى. فكيف يكون هو الآمر والمنفذ لقتله؟ مع أنه كان قادرا على تنفيذ رغباته المضادة لليهود على خط مستقيم. والحقيقة أن بيلاطس كان ميالا كل الميل لخلاص السيد المسيح من هؤلاء الظلمة. ولعله رأى ما فيه من جميل الشيم والأخلاق الكريمة الطاهرة. فراقه ذلك، زيادة عن كراهته لليهود. فعمل على خلاصه من الصلب. كما يتضح من إنجيل متى ٢٧ و ٢٤. ولوقا ٢٣ و ١٢. ويوحنا ١٣- ٢٣ وفي بعض آيات الإنجيلين أن عيسى سوعد من زوجة بيلاطس الحاكم القائلة (كما هو مذكور في إنجيل متى

<<  <  ج: ص:  >  >>