٢٧ و ١٩) : إياك وهذا البارّ. لأني تألمت اليوم كثيرا في حلم من أجله. ولعلها رأته فبهرها كماله ووقاره وحشمته وبلوغه الغاية في الأدب والشمائل الطاهرة. والظاهر أنها رأت هذا الشاب البريء المبجّل من إحدى نوافذ قصرها المطلة على أفنية هيكل سليمان عليه السلام. فظهر لها بكماله الحقيقي فاستفظعت إهدار دم هذا البريء الوقور. وكيفما كان السبب، فالذي لا يشك فيه أحد، أن بيلاطس كان محبا لعيسى عليه السلام حبّا شديدا. ولذلك سأله بكمال اللطف والأدب ليفرغ ما في وسعه لتبرئته. انتهى.
فيؤخذ من كلام (رنان) أن الحاكم المنوط به الأمر والتنفيذ، كان مضادّا للصلب. فلا غرابة في عدم حصوله للمسيح عليه السلام، وتبديله بآخر. وكراهة هذا الحاكم لليهود مشهورة لا تحتاج لزيادة إيضاح. حتى إن ترتوليانوس، أحد آباء الكنيسة النصرانية، جزم بأن بيلاطس الحاكم كان نصرانيّا في الباطن. وفي الجزء الأول من تاريخ الديانة النصرانية لمؤلفه (ملمن) : إن تنفيذ الحكم كان في وقت الغلس وإسدال ثوب الظلام. فيستنتج من ذلك أيضا إمكان استبدال السيد المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس، منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم.
كما اعتقد بعض الطوائف. وصدقهم القرآن. ولقد جرى على هذا الرأي جماعة من المؤرخين المهمّين (كالمسيوشارل بيكار) و (أرنست دي بونس) وغيرهما. فإن الأول قال: إن مسألة صلب المسيح كلها مبتكرة مخترعة لا غير. لتوافق اعتقادات قديمة. مآلها أن الله لا يسكن غضبه إلا بسفك دم القربان من بني آدم. وكانت اليهود تقدم أولادها قربانا للذبح استجلابا لإسكان غضب الخالق وجلب رضاه.
ويقول: إنهم ربما أكلوا لحوم القربان الآدميّ وشربوا دمه. ولما قامت الأنبياء في بني إسرائيل واضطهدت هذه العادة الشنعاء، بدّل ذبح الآدميّ قربانا بذبح الحيوان. وأطال المسيو (بيكار) في شرح ارتباط تضحية سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام مع هذه العوائد القديمة. فأفاد أن نفس الصليب كان مستعملا رمزا عن شيء عندهم اسمه (اللنجام) وهو عبارة عن خشبتين متصلبتين متداخلتين في بعضهما.
وأما المسيو (أرنست دي بونس الألمانيّ) فإنه قال في كتابه المسمى ب (النصرانية الحقة) صحيفة ١٤٢ ما معناه: إن جميع ما يختص بمسائل الصلب والفداء، هو من مبتكرات ومخترعات بولس ومن شابهه، من الذين لم يروا المسيح عليه الصلاة والسلام. لا من أصول النصرانية الأصلية.
فوضح وضوح الشمس لذي عينين أن التاريخ، فضلا عن كونه لم يثبت مسألة