الصلب والقتل، يرجح نفي حصوله رجحانا لا يكاد يفارق اليقين الحقيقيّ. ومعلوم أن أخذ الأمور التاريخية في هذا الصدد عن طوائف مصر والشام أولى، لأنهم أبناء جلدتها، وأدرى بحوادث بلادهم الحقيقية. فيؤخذ من كل ذلك: أولا- أن كافة الظروف التي حصل فيها تنفيذ الحكم كانت مساعدة لتخليص المسيح عليه الصلاة والسلام. وبالأخص اضطهاد الحكومة الرومانية للعقائد الموسوية. وعدم الاعتناء بها لا يسهل تنفيذها. ثانيا- وقت الغلس الذي حصل فيه ذلك الصلب الموهوم.
وكان يمكننا لدرس هذا الموضوع التكلم على جملة مسائل تفند دعوى الصلب تفنيدا لا مزيد عليه. ومن ضمنها، أن نصارى اليوم تدعي أن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام حكم عليه من مجمع اليهود بالقتل بسبب تغييره لأحكام التوراة. ومن المعلوم أن الحكم، في ذلك الموضوع، الرجم لا الصلب. فهذا مما يرتكن عليه مثل الموسيو (شارل بيكار) في ادعائه أن النصارى الحديثين احتاجوا لعلامة الصليب رمزا لبعض عقائد كانوا يريدون إدخالها في الديانة. وهي مسألة الفدا. انتهى كلام صاحب السيوف البتارة.
ولما اطلع عليها ذلك النصرانيّ المذبذب المردود عليه، أعياه الرد من الطريقة التاريخية، فأخذ يرد عليها تشبثا بأسباب واهية. فعدّ، كل من رفض الصلب من نصارى الأيام الأول، هرطوقيا. أي: مارقا من الدين. ورمى أصحاب التواريخ من أهل أوروبا الذين وافقوا المسلمين في عدم حصول الصلب بأنهم كفرة الإفرنج. ثم تمسك بالأناجيل الأربعة الرسمية وقال: أنه لا يمكنه أن يزيف شيئا منها ما دامت شاهدة من أولها إلى آخرها بحصول الصلب حقيقة. وأنه يلزم حينئذ تأويل ما جاء في القرآن المجيد حتى يصل للوفاق.
فعاد صاحب (السيوف البتارة) وألف رسالة ثانية في شهادة علماء الإفرنج بحفظ القرآن وتحريف ما سواه. تكملة للأول. فتوسع جزاه الله خيرا في هذا الموضوع ثم قال (في الكلام على الإنجيل) ما لفظه: أما الإنجيل فإنه أبعد عن الصحة من التوراة بكثير. إذ لا يفهم أحد للآن كيف تعدد الإنجيل الأصليّ إلى نسخ شتى متباينة. ولأي مرجح استحسنت منها النصارى الحاليون أربعة أناجيل، مختلفة كل الاختلاف، متضاربة كل التضارب. ولا يدري لماذا عدلوا عن (إنجيل برنابا) مثلا الذي وافق القرآن قبل ظهوره في المسائل التي أبتها الكتب الحالية. فإنا نجد هذا الإنجيل يخبر أن السيد المسيح نبيّ، عبد، مخلوق. ليس بإله. وأنه لم يصلب.
وفيه البشارة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مذكورا بلفظه (كذا) . وهاك ما قاله السيد المسيح