في الإنجيل المذكور (وإني وإن كنت بريا، لكن بعض الناس لما قالوا في حقي إنه الله وابن الله، كره الله هذا القول واقتضت مشيئته بأن لا تضحك الشياطين يوم القيامة عليّ ولا يستهزءون. فاستحسن بمقتضى لطفه ورحمته أن يكون الضحك والاستهزاء في الدنيا بسبب موت يهوذا. ويظن كل شخص أني صلبت. لكن هذه الإهانة والاستهزاء تبقيان إلى أن يجيء محمد رسول الله. فإذا جاء في الدنيا ينبه كل مؤمن على هذا الغلط. وترتفع هذه الشبهة من قلوب الناس) .
وقد استشهد العلامة (سيل) الإنكليزيّ، المشهور في أوروبا بترجمة المصحف الشريف، بهذه الآية الإنجيلية، تفسيرا لقوله تعالى في سورة آل عمران:
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [آل عمران: ٥٤] وإنجيل برنابا أثبته العلماء قبل الإسلام بنحو ثلاثمائة سنة. حتى أن العالم الإنكليزي (تولاند) قال:
وعلى النصرانية السلام، بمجرد رؤيته هذا الإنجيل. ثم قال: قال العلامة (هيردر) وجماعة آخرون: إن الإنجيل الأصليّ كان واحدا. إلا أنه لم يكتب. بل قاله المسيح مشافهة. ورواه الحواريون عنه للناس شفاهيّا أيضا. فحفظ الخلق منه بعض أقوال أضافوا إليها ما استحسنوه من السير والقصص. ونقصوا منها ما لم يوافق أذواقهم. وما زالت تنتقل الروايات المختلفة من شخص إلى آخر، ومن زمن إلى غيره حتى تشعبت، وكتب أخيرا منها أناجيل شتى، فاختارت الكنائس منها أربعة جعلتها الرسمية.
ثم قال مؤلف (السيوف البتارة) : فوضح وضوحا تامّا لذي بصيرة، أن الحجة على دعوى صلب المسيح قد سقطت سقوطا لا تقوم بعده أبدا. سواء من جهة التاريخ الصحيح الذي دحضها وخذل مدعيها بأجلى برهان، أو من جهة الأناجيل المعتبرة عندهم. لذهاب أصلها أدراج الرياح، بثبوت التحريف والتغيير لها.
ثم قال: وأما قوله (يعني المذبذب) . بأن طوائف النصارى الرافضة للصلب هراقطة- فغريب. لأنهم مثله في العقيدة لا يمتازون إلا بإنكارهم الصلب الحقيقيّ للمسيح. وهل الاقتصار، في الرد من باحث، على قوله (كفرة) يعد من باب نقض الدليل بالدليل وتزييف الحجة بالحجة؟ أو من باب المكابرة في المحسوس والانقطاع عن المناظرة للعجز الواضح. وإذا جاز إطلاق (كفرة) على هؤلاء وهم أمناء النصرانية واليهودية- جاز أن تصف بهذه الصفة كل يهوديّ ونصرانيّ. وحينئذ لا يصح احتجاجك بإجماعهم ولا بشيء من آرائهم. وتكون في ردك بكلمة (هراقطة. كفرة) أشبه بمن اقتصر في مناظرة خصمه على كلمة (لا) فقط. فهو يكررها ولا يسأم من الرد بها.