للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وحكي عن الحسن وعثمان البستيّ، ورواية عن أحمد، أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها، بل يجب ديتها

. وهكذا احتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى بعموم هذه الآية على أن يقتل المسلم بالكافر الذميّ، وعلى قتل الحرّ بالعبد. وقد خالفه الجمهور فيهما.

ففي (الصحيحين) «١» عن أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقتل مسلم بكافر.

وأما العبد، ففيه عن السلف آثار متعددة. إنهم لم يكونوا يقيدون العبد من الحرّ، ولا يقتل حرّ بعبد. وجاء في ذلك أحاديث لا تصح. وحكى الشافعيّ الإجماع. على خلاف قول الحنفية في ذلك. انتهى.

وقال السيوطيّ في (الإكليل) : في هذه الآية مشروعية القصاص في النفس والأعضاء والجروح بتقدير شرعنا. كما

قال صلى الله عليه وسلم في حديث أنس «٢» : كتاب الله القصاص

واستدل بعموم (النفس بالنفس) من قال بقتل المسلم بالكافر، والحرّ بالعبد، والرجل بالمرأة. وأجاب ابن الفرس بأن الآية أريد بها الأحرار المسلمون، لأن اليهود المكتوب ذلك عليهم في التوراة كانوا ملة واحدة ليسوا منقسمين إلى مسلم وكافر، وكانوا أحرارا لا عبيد فيهم، لأن عقد الذمة والاستعباد إنما أبيح للنبيّ صلى الله عليه وسلم بين سائر الأنبياء. لأن الاستعباد من الغنائم. ولم تحلّ لغيره. وعقد الذمة لبقاء الكفار. ولم يقع ذلك في عهد نبيّ. بل كان المكذبون يهلكون جميعا بالعذاب.

وأخّر ذلك في هذه الأمة رحمة. وهذا جواب مبين.

وقوله وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ استدل به في كل جرح قيل بالقصاص فيه- كاللسان والشفة وشجاج الرأس والوجه وسائر الجسد- وعلى أن نتف الشعر والضرب لا قصاص فيه، إذ ليس بجرح. انتهى.


(١)
أخرجه البخاري في: العلم، ٣٩- باب كتابة العلم، حديث ٩٥، ونصه: عن أبي جحيفة قال، قلت لعليّ: هل عندكم كتاب؟ قال: إلّا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة.
قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال «العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر»
. (٢)
أخرجه البخاري في: الصلح، ٨- باب الصلح في الدية، حديث ١٣٠٦ ونصه: عن أنس أن الرّبيّع، وهي ابنة النضر، كسرت ثنيّة جارية. فطلبوا الأرش. وطلبوا العفو فأبوا. فأبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص.
فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنيّة الرّبيّع؟ يا رسول الله! لا. والذي بعثك الحق! لا تكسر ثنيّتها.
فقال «يا أنس! كتاب الله القصاص» . فرضي القوم وعفوا.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «إن من عباد الله، من لو أقسم على الله لأبرّه»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>