للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتيل قتله الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق. فكانوا على ذلك حتى قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، فذلّت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويومئذ لم يظهر ولم يوطئهما عليه وهو في الصلح. فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا. فأرسلت العزيزة إلى الذليلة: أن ابعثوا لنا بمائة وسق، فقالت الذليلة: وهل كان في حيين قط، دينهما واحد ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟ إنا إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم. فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم. ثم ذكرت العزيزة فقالت والله! ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منهم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلّا ضيما منا وقهرا لهم. فدسّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه.

إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه، فدسّوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهم كلّه وما أرادوا. فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ- إلى قوله- الْفاسِقُونَ ثم قال:

فيهما، والله! نزلت، وإياهم عنى الله عز وجلّ. ورواه أبو داود بنحوه.

وروى ابن جرير «١» من طريق أخرى عن ابن عباس قال: إن الآيات في المائدة قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ- إلى- الْمُقْسِطِينَ إنما أنزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة. وذلك أن قتلى بني النضير، وكان لهم شرف يؤدّي الدية كاملة. وأن قريظة كانوا يؤدى لهم نصف الدية. فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله ذلك فيهم. فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك، فجعل الدية في ذلك سواء. ورواه أحمد وأبو داود والنسائي بنحوه.

وروى ابن جرير «٢» أيضا عن ابن عباس قال: كانت قريظة والنضير. وكانت النضير أشرف من قريظة. فكان إذا قتل القرظيّ رجلا من النضير قتل به. وإذا قتل النضيري رجلا من قريظة، ودي بمائة وسق من تمر. فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتل رجل من النضير رجلا من قريظة. فقالوا: ادفعوه إليه، فقالوا: بيننا وبينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزلت: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في (المستدرك) بنحوه.

وهكذا قال قتادة ومقاتل بن حيان وغير واحد.


(١) الأثر رقم ١١٩٧٤ من التفسير.
(٢) الأثر رقم ١١٩٨٥ من التفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>