أي: أفشوه. فتعود إذاعتهم مفسدة من وجوه: الأول- أن هذه الإرجافات لا تنفك عن الكذب الكثير. والثاني- أنه إن كان ذلك الخبر في جانب الأمن، زادوا فيه زيادات كثيرة. فإذا لم توجد تلك الزيادات، أورث ذلك شبهة للضعفاء في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم. لأن المنافقين كانوا يروون تلك الإرجافات عن الرسول. وإن كان ذلك في جانب الخوف، تشوش الأمر بسببه على ضعفاء المسلمين، ووقعوا عنده في الحيرة والاضطراب، فكانت تلك الإرجافات سببا للفتنة من هذا الوجه. والثالث- أن الإرجاف سبب لتوفير الدواعي على البحث الشديد والاستقصاء التام. وذلك سبب لظهور الأسرار. وذلك مما لا يوافق مصلحة المدينة. والرابع- أن العداوة الشديدة كانت قائمة بين المسلمين والكفار. فكل ما كان أمنا لأحد الفريقين كان خوفا للفريق الثاني. فإن وقع خبر الأمن للمسلمين وحصول العسكر وآلات الحرب لهم، أرجف المنافقون بذلك. فوصل الخبر في أسرع مدة إلى الكفار. فأخذوا في التحصن من المسلمين، وفي الاحتراز عن استيلائهم عليهم. وإن وقع خبر الخوف للمسلمين بالغوا في ذلك وزادوا فيه، وألقوا الرعب في قلوب الضعفة والمساكين. فظهر من هذا أن ذلك الإرجاف كان منشئا للفتن والآفات من كل الوجوه. ولما كان الأمر كذلك ذم الله تعالى تلك الإذاعة وذلك التشهير، ومنعهم منه. أفاده الرازيّ. وَلَوْ رَدُّوهُ أي ذلك الأمر الذي جاءهم إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ وهم كبراء الصحابة البصراء في الأمور رضي الله عنهم، أو الذين يؤمّرون منهم وكانوا كأن لم يسمعوا لَعَلِمَهُ أي: الأمر الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ أي يستعلمونه ويتطلبونه وهم المنافقون المذيعون مِنْهُمْ أي من الرسول وأولي الأمر. يعني لو أنهم قالوا: نسكت حتى نسمعه من جهة الرسول ومن ذكر معه، ونعرف الحال فيه من جهتهم، لعلموا صحته وأنه هل هو مما يذاع أو لا؟ وإنما وضع الموصول موضع الضمير، يعني لم يقل (لعلموه) لزيادة تقرير الغرض المسوق له الكلام. أو لذمهم أو للتنبيه على خطئهم في الفحص عن استخراج وإظهار خفيّ ذلك الأمر.
قال الناصر في (الانتصاف) : في هذه الآية تأديب لكل من يحدث بكل ما يسمع. وكفى به كذبا. وخصوصا عن مثل السرايا والمناصبين الأعداء والمقيمين في نحر العدوّ. وما أعظم المفسدة في لهج العامة بكل ما يسمعون من أخبارهم، خيرا أو غيره. انتهى.
وقد روى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كفى بالمرء كذبا