أولها: أنه دعوى لا دليل على صحتها! وثانيها: أنه لو كان ما ذكر لأمكن أن ينبأ إبراهيم في المهد كما نبئ عيسى عليه السلام، وكما أوتي يحيى الحكم صبيّا فعلى هذا القول لعلّ إبراهيم كان نبيّا وقد عاش عامين غير شهرين، وحاشا لله من هذا ... !
وثالثها: أن ولد نوح كان كافرا بنصّ القرآن: عمل عملا غير صالح. فلو كان أولاد الأنبياء لكان هذا الكافر المسخوط عليه نبيّا. وحاشا لله من هذا..!
ورابعها: لو كان ذلك، لوجب ولا بدّ أن تكون اليهود كلهم أنبياء إلى اليوم، بل جميع أهل الأرض أنبياء، لأنه يلزم أن يكون الكلّ من ولد آدم لصلبه أنبياء، لأن أباهم نبيّ، وأولاد أولادهم أنبياء لأن آباءهم أنبياء وهم أولاد أنبياء، وهكذا ... أبدا حتى يبلغ الأمر إلينا! وفي هذا من الكفر لمن قامت عليه الحجة وثبت عليه- ما لا خفاء به. وبالله تعالى التوفيق..!
ثم قال ابن حزم:
وذكروا- يعني الكرّامية ومن وافقهم- أيضا أخذ يوسف عليه السلام أخاه، وإيحاشه أباه عليه السلام منه، وأنه أقام مدّة يقدر فيها على أن يعرف أباه خبره وهو يعلم ما يقاسي به من الوجد عليه، فلم يفعل وليس بينه وبينه إلّا عشر ليال! وبإدخاله صواع الملك في وعاء أخيه ولم يعلم بذلك سائر إخوته، ثم أمر من هتف أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ [يوسف: ٧٠] ، وهم لم يسرقوا شيئا، ويقول الله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ، وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ [يوسف: ٢٤] ، وبخدمته لفرعون، وبقوله للذي كان معه في السجن اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف: ٤٢] .
قال ابن حزم: وكل هذا لا حجة لهم في شيء منه، ونحن نبين ذلك بحول الله تعالى وقوته، فنقول وبالله تعالى نتأيّد: اما أخذه أخاه وإيحاشه أباه منه فلا شك في أن ذلك ليرفق بأخيه وليعود إخوته إليه، ولعلهم لو مضوا بأخيه لم يعودوا إليه وهم في مملكة أخرى، وحيث لا طاعة ليوسف عليه السلام ولا لملك مصر هنالك، وليكون ذلك سببا لاجتماعه وجمع شمل جميعهم! ولا سبب إلى أن يظن برسول الله يوسف عليه السلام الذي أوتي العلم والمعرفة بالتأويل- إلّا أحسن الوجوه. وليس مع من خالفنا نصّ بخلاف ما ذكرنا. ولا يحل أن يظن بمسلم فاضل عقوق أبيه، فكيف برسول الله صلوات الله عليه وأما ظنّهم- أنه أقام مدة يقدر فيها على تعريف أبيه خبره ولم يفعل- فهذا جهل شديد ممن ظن هذا لأن يعقوب في أرض كنعان من