على زيادة فيه، لا يضر ذلك بكونه بيانا. كما أن مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ بيان مع شموله للحيوان والنبات. وفيه من البديع التبديل، كقوله تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ [الحج: ٦١] .
قال في (الانتصاف) : وقد وردا جميعا بصيغة الفعل كثيرا في قوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم: ٢٤] . وقوله أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس: ٣١] فعطف أحد القسمين على الآخر، كثيرا دليل على أنهما توأمان مقترنان، وذلك يبعد قطعه عنه في آية الأنعام هذه وردّه إلى فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى فالوجه- والله أعلم- أن يقال: كان الأصل وروده بصيغة اسم الفاعل أسوة أمثاله من الصفات المذكورة في هذه الآية من قوله فالِقُ الْحَبِّ وفالِقُ الْإِصْباحِ و (جاعل الليل) ويُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ إلا أنه عدل عن اسم الفاعل إلى الفعل المضارع في هذا الوصف وحده، وهو قوله يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ إرادة لتصوير إخراج الحيّ من الميت، واستحضاره في ذهن السامع. وهذا التصوير والاستحضار إنما يتمكن في أدائهما الفعل المضارع دون اسم الفاعل والماضي. وقد مضى تمثيل ذلك بقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [الحج: ٦٣] فعدل عن الماضي المطابق لقوله أَنْزَلَ لهذا المعنى، ومنه ما في قوله:
بأنّي قد لقيت الغول تهوي ... بسهب كالصحيفة صحصحان
فأضربها بلا دهش فخرّت ... صريعا لليدين وللجران
فعدل إلى المضارع إرادة لتصوير شجاعته، واستحضارها لذهن السامع. ومنه إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً [ص: ١٨- ١٩] ، فعدل عن (مسبّحات) وإن كان مطابقا ل مَحْشُورَةً لهذا السبب- والله أعلم-. ثم هذا المقصد إنما يجيء فيما يكون العناية به أقوى. ولا شك أن إخراج الحيّ من الميت أشهر في القدرة من عكسه. وهو أيضا أول الحالين، والنظر أول ما يبدأ فيه. ثم القسم الآخر وهو إخراج الميت من الحي بان عنه، فكان الأول جديرا بالتصديق والتأكيد في النفس، ولذلك هو مقدم أبدا على القسم الآخر في الذكر حسب ترتيبهما في الواقع. وسهل عطف الاسم على الفعل وحسّنه. أن اسم الفاعل في معنى الفعل المضارع، فكل واحد منهما يقدّر بالآخر، فلا جناح في عطفه عليه- والله أعلم- انتهى.