الآخر، لاحتجابهما عن التوحيد، وتبرؤ كل منهما عن ذنبه، لمحبة نفسه. ولذلك قال حارثة رضي الله عنه للنبيّ عليه السلام: ورأيت أهل النار يتعاورون. وصوّب عليه السلام قوله. انتهى.
الثاني إن قلت: لم طرحت الواو من جملة قالَ قَرِينُهُ وذكرت في الأولى؟
قلت: لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول، كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون.
فإن قلت: أين المقاولة؟ قلت: لما قال قرينه هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ وتبعه قوله: قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وتلاه لا تَخْتَصِمُوا علم أن ثمّ مقاولة من الكافر، لكنها طرحت للدلالة عليها من السياق كأنه لما قال القرين: هذا ما لديّ عتيد، قال الكافر: ربّ هو أطغاني، فلما قال الكافر ذلك، قال القرين: ما أطغيته، فلما حكى قول القرين والكافر كأن قائلا يقول: فماذا قال الله تعالى؟ فقيل: قال لا تختصموا لديّ. وذكر الواو في الجملة الأولى لأنها أول المقاولة، ولا بد من عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين، وقول قرينه ما قاله له- هذا ملخص ما في الكشاف-.
الثالث- جوز قوله تعالى: بِالْوَعِيدِ أن تكون الباء زائدة في المفعول، وأن يكون حالا من الفاعل أو المفعول، والباء للملابسة، أو المعية، والمعنى: قدمت هذا القول موعدا لكم به، أو حال كون القول ملتبسا بالوعيد، أو من لا تَخْتَصِمُوا على تأويل تقديم الوعيد بالعلم به. أي: لا تختصموا عالمين به. وذلك لتصح الحالية، ويكون بينها وبين عاملها مقارنة على اصطلاحهم.
الرابع- دل قوله تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ على أنه لا خلف في إيعاد الله تعالى، كما لا إخلاف في ميعاد الله. وهذا يرد على المرجئة، حيث قالوا: ما ورد في القرآن من الوعيد فهو تخويف، لا يحقق الله شيئا منه، وقالوا: الكريم إذا وعد أنجز ووفّى، وإذا أوعد أخلف وعفا- أفاده الرازيّ-.
ووجه الاستدلال أنه لو صح ما ذكروه للزم تبديل قوله تعالى، والخلف في أخباره- تقدس عن ذلك- مع أن طبيعة الذنب تقتضي العقوبة، إلا أن يتاب منه، أو يشاء تعالى العفو عنه.