يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ [القمر: ٦] ، كأنه قيل: يوم يقع أمر فظيع هائل.
وقال أبو سعيد الضرير: أي يوم يكشف عن أصل الأمر. وساق الشيء: أصله الذي به قوامه، كساق الشجر وساق الإنسان. أي: تظهر يوم القيامة حقائق الأشياء وأصولها. فالساق بمعنى أصل الأمر، وحقيقته. استعارة من ساق الشجر، وفي (الكشف) تجوّز آخر، أو هو ترشيح له.
وقال الإمام ابن حزم رحمه الله في (الفصل) : ما صح عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم عن يوم القيامة أن الله عز وجل يكشف عن ساقه، فيخرون سجدا. فهذا كما قال الله عز وجل في القرآن: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ. وإنما هو إخبار عن شدة الأمر، وهول الموقف، كما تقول العرب: قد شمرت الحرب عن ساقها. قال جرير:
ألا ربّ سامي الطرف من آل مازن ... إذا شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا
والعجب ممن ينكر هذه الأخبار الصحاح. وإنما جاءت بما جاء به القرآن نصّا.
ولكن من ضاق علمه أنكر ما لا علم له به. وقد عاب الله هذا فقال بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس: ٣٩] انتهى.
هذا وقد ذهب أبو مسلم الأصفهانيّ إلى أن الآية وعيد دنيويّ للمشركين، لا أخرويّ. قال: إنه لا يمكن حمله على يوم القيامة، لأنه تعالى قال في وصف هذا اليوم: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ، ويوم القيامة ليس فيه تعبد ولا تكليف، بل المراد منه: إما آخر أيام الرجل في دنياه، كقوله تعالى: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى [الفرقان: ٢٢] ، ثم إنه يرى الناس يدعون إلى الصلوات إذا حضرت أوقاتها، وهو لا يستطيع الصلاة، لأنه الوقت الذي لا ينفع نفسا إيمانها. وإما حال الهرم والمرض والعجز. وقد كانوا قبل ذلك يدعون إلى السجود، وهم سالمون مما بهم الآن، إما من الشدة النازلة بهم من هول ما عاينوا عند الموت، أو من العجز والهرم. ونظير هذه الآية قوله فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة: ٨٣] انتهى.
قال الرازيّ: واعلم أنه لا نزاع في أنه يمكن حمل اللفظ على ما قاله أبو مسلم.
فأما قوله إنه لا يمكن حمله على القيامة، بسبب أن الأمر بالسجود حاصل هاهنا، والتكاليف زائلة يوم القيامة، فجوابه: أن ذلك لا يكون على سبيل التكليف، بل على سبيل التقريع والتخجيل، فلم قلتم إن ذلك غير جائز؟