للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك. فقال: لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا

. أي لحسنته لك تحسينا. كما

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم «١» : زينوا القرآن بأصواتكم.

وقال صلّى الله عليه وسلّم «٢» : لله أشد أذنا (أي استماعا) إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به، من صاحب القينة إلى قينته.

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال لي النبي صلّى الله عليه وسلّم «٣»

«أقرأ عليّ» قلت: يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال «نعم» فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: ٤١] ، قال: حسبك الآن. فالتفت فإذا عيناه تذرفان.

ومثل هذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه فقال أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا، إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا [مريم: ٥٨] . وقال تعالى في أهل المعرفة وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ [المائدة: ٨٣] ، ومدح سبحانه أهل هذا السماع بما يحصل لهم من زيادة الإيمان واقشعرار الجلد ودمع العين فقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: ٢٣] ، وقال تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً [الأنفال: ٢] ، فخلاف هذا السماع، من الباطل الذي نهى عنه.

ولذلك لم يفعله القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا فعله أكابر المشايخ.

فليفق من كان من الفريق الأدنى في سلوك فقره. وليصحب من هو من الرفيق الأعلى إلى حلول قبره. وليداو جراحات اجتراح بدعته، باتباع هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم ولزوم سنته.


(١)
أخرجه البخاريّ في: التوحيد، ٥٢- باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «الماهر بالقرآن مع البررة الكرام وزينوا القرآن بأصواتكم» .
وقال الحافظ في الفتح: هذا الحديث من الأحاديث التي علقها البخاريّ ولم يصلها في موضع آخر من كتابه. وقد أخرجه في كتاب (خلق أفعال العباد) من رواية عبد الرحمن ابن عوسجة عن البراء بهذا. وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائيّ وابن ماجة والدارميّ، وابن خزيمة وابن حبان، في صحيحهما من هذا الوجه.
(٢) أخرجه ابن ماجة في: إقامة الصلاة والسنة فيها، ١٧٦- باب في حسن الصوت بالقرآن، حديث ١٣٤٠، عن فضالة بن عبيد.
(٣) أخرجه البخاريّ في: فضائل القرآن، ٣٣- باب قول المقرئ للقارئ: حسبك. حديث رقم ١٩٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>