وأصل ذلك المحافظة على الصلاة بالقلب والبدن. والثاني الإحسان إلى الخلق بالنفع والمال الذي هو الزكاة. والثالث الصبر على الأذى من الخلق وغيره من النوائب.
ولهذا يجمع الله بين الصلاة والصبر كثيرا كقوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: ٤٥] ، وكقوله تعالى وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [هود: ١١٤- ١١٥] ، وقوله فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها [طه: ١٣٠] ، وأما قرانه بين الصلاة والزكاة في القرآن فكثير جدا. فبالقيام بالصلاة والزكاة والصبر يصلح حال الراعي والرعية. إذا عرف الإنسان ما يدخل في هذه الأسماء الجامعة، يدخل في الصلاة من ذكر الله تعالى ودعائه وتلاوة كتابه وإخلاص الدين له والتوكل عليه، وفي الزكاة الإحسان إلى الخلق بالمال والنفع: من نصر المظلوم وإعانة الملهوف وقضاء حاجة المحتاج. وفي الصبر احتمال الأذى وكظم الغيظ والعفو عن الناس ومخالفة الهوى وترك الشر والبطر. انتهى.
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ قال الإمام ابن تيمية (في شرح حديث النزول) : لفظ المعية في كتاب الله جاء عامّا كما في قوله تعالى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: ٤] ، وفي قوله ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ [المجادلة: ٧] إلى قوله هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا وجاء خاصا كما في قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل: ١٢٨] ، وقوله إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طه: ٤٦] ، وقوله لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: ٤٠] ، فلو كان المراد بذاته مع كل شيء لكان التعميم يناقض التخصيص. فإنه قد علم أن قوله لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا أراد به تخصيص نفسه وأبا بكر دون عدوّهم من الكفار، وكذلك قوله إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ خصهم بذلك دون الظالمين والفجار.
وأيضا، فلفظ المعية ليست في لغة العرب ولا في شيء من القرآن أن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى. كما في قوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الفتح: ٢٩] ، وقوله فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: ١٤٦] ، وقوله اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: ١١٩] ، وقوله وَجاهَدُوا مَعَكُمْ [الأنفال: ٧٥] ، ومثل هذا كثير. فامتنع أن يكون قوله وَهُوَ مَعَكُمْ يدل على أن تكون ذاته مختلطة بذوات الخلق. وقد بسط الكلام عليه في موضع آخر وبيّن أن لفظ المعية في اللغة، وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقارنة، فهو، إذا كان مع العباد، لم يناف