عليه. فلما كان في أثناء الطريق، بعثت قريش مكرز بن حفص فقال: يا محمد! ما عرفناك تنقض العهد! فقال صلّى الله عليه وسلّم: وما ذاك؟ قال: دخلت علينا بالسلاح، القسيّ والرماح! فقال صلّى الله عليه وسلّم: لم يكن ذلك، وقد بعثنا به إلى يأجج؟ فقال: بهذا عرفناك، بالبرّ والوفاء
. وخرجت رؤوس الكفار من مكة، لئلا ينظروا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإلى أصحابه رضي الله عنه، غيظا وحنقا. وأما بقية أهل مكة من الرجال والنساء والولدان فجلسوا في الطرق وعلى البيوت، ينظرون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فدخلها عليه الصلاة والسلام، وبين يديه أصحابه يلبون، والهدي قد بعثه إلى ذي طوى، وهو راكب ناقته القصواء، التي كان راكبها يوم الحديبية، وعبد الله بن رواحة الأنصاريّ آخذ بزمام ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يقول:
باسم الذي لا دين إلا دينه ... باسم الذي محمد رسوله
خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله ... قد أنزل الرّحمن في تنزيله
في صحف تتلى على رسوله ... بأن خير القتل في سبيله
يا رب! إني مؤمن بقيله
وروى الإمام أحمد «١» من طريق أبي الطفيل عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما نزل مرّ الظهران في عمرته، بلغ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن قريشا تقول: ما يتباعثون من العجف؟ فقال أصحابه: لو انتحرنا، من ظهرنا، فأكلنا من لحمه، وحسونا من مرقه، أصبحنا غدا حين ندخل على القوم، وبنا جمامة. قال صلّى الله عليه وسلّم: لا تفعلوا، ولكن اجمعوا لي من أزوادكم، فجمعوا له، وبسطوا الأنطاع، فأكلوا حتى تولوا، وحثا كل واحد منهم في جرابه. ثم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى دخل المسجد، وقعدت قريش نحو الحجر فاضطبع صلّى الله عليه وسلّم بردائه، ثم قال: لا يرى القوم فيكم غميزة، فاستلم الركن، ثم دخل حتى إذا تغيب بالركن اليماني مشى إلى الركن الأسود، فقالت قريش: ما يرضون بالمشي إنهم لينقزون نقز الظباء؟ ففعل ذلك ثلاثة أطواف، فكانت سنّة.
قال أبو الطفيل: فأخبرني ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل ذلك في حجة الوداع.