تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك. فكانت هذه علامة. وأما على قراءة (السلم) بفتحتين، أو بكسر فسكون، فالمراد به الانقياد. وهو علامة الإسلام. انتهى.
وقال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية الكريمة وجوب التثبت والتأني فيما يحتمل الحظر والإباحة. لقوله: فتبيّنوا (بالنون) وهذا قراءة الأكثر. وحمزة والكسائيّ قراءتهما:(فتثبتوا) من (الثبات) . ويدخل في هذا أحكام كثيرة من الاعتقادات والأخبار والأفعال من الأحكام وسائر الأعمال، فهذا حكم. والحكم الثاني أنه يجب الأخذ بالظاهر. فمن أظهر الإسلام أو شيئا من شعائر الإسلام، لا يكذّب بل يقبل منه. ويدخل، في هذا، الملحد والمنافق. وهذا هو مذهبنا والأكثر. ويدخل في هذا قبول توبة المرتدّ، خلافا لأحمد. وقبول توبة الزنديق. وهذا قول عامة الأئمة.
وقال مالك: لا تقبل، لأن هذا عين مذهبهم أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون.
قال الراضي بالله والإمام يحيى: إن أظهروا ما يعتادون إخفاءه قبلت توبتهم.
وإلا فلا. قال علي خليل: تقبل توبتهم، ولو عرفنا من باطنهم خلاف ما أظهروا. كما قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم من المنافقين، وقد أخبر الله تعالى بكفرهم.
وقال أبو مضر: تقبل ما لم يعرف كذبهم. وهذا الخلاف في الظاهر. وأما عند الله، إذا صدق، فهي مقبولة وفاقا. قال الحاكم: وتدل على أن التوصل بالسبب المحرم إلى المال لا يجوز. وقد ذكر العلماء صورا في التوصل إلى المباح بالمحظور، مختلفة. ذكرت في غير هذا الموضع. والحجة هنا من قوله تعالى تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا. لأن الذي قصد هنا أخذه، محظور. لأن إظهار الإسلام يحقن النفس والمال. فذلك توصل بمحظور إلى محظور. وقوله تعالى: لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. قرئ (السلم) وهذه قراءة نافع وحمزة وابن عامر بغير ألف وهو الاستسلام. وقيل: إظهار الإسلام. وقرأ الباقون:(السلام) بألف وهو التحية. انتهى.
وقال أبو منصور في (التأويلات) : فيه الأمر بالتثبت عند الشبهة، والنهي عن الإقدام عندها. وهكذا الواجب على المؤمن الوقف عند اعتراض الشبهة في كل فعل وكل خبر. لأن الله تعالى أمر بالتثبت في الأعمال بقوله: فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. وقال في الخبر: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: ٦] . أمر بالتثبت في الأخبار عند الشبهة، كما أمر في الأفعال لنبيه صلى الله عليه وسلم:
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: ٣٦] . وفي الآية دليل فساد قول المعتزلة.
لأنه نهاهم أن يقولوا (لمن قال: إني مسلم) لست مؤمنا. وهم يقولون: صاحب