قال ابن القيّم: فهذا دين الإسلام الذي بعث به رسوله ونبيه، وغربته بين الناس كما ترى. انتهى.
السابع- قال بعض المفسرين اليمانين: في الآية دلالة على فضل المسجد الموصوف بهذه الصفة، يعني التأسيس على التقوى. وفيها: أن نية القربة في عمارة المسجد شرط، لأن النية هي التي تميز الأفعال. وفيها: أنه لا يجوز تكثير سواد الكفار- ذكر ذلك الحاكم، لأنه قال تعالى لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً وأراد ب (القيام) الصلاة.
الثامن- قال ابن كثير: في الآية دليل على استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده، لا شريك له، وعلى استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين، والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء، والتنزه عن ملابسة القاذورات.
وقد روى الإمام أحمد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى بهم الصبح فقرأ الروم فأوهم فلما انصرف قال: إنه يلبس علينا القرآن، إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء
. فدلّ هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة، ويعين على إتمامها وإكمالها، والقيام بمشروعاتها.
التاسع- ذهب أبو العالية والأعمش إلى أن المراد من الطهارة في الآية، الطهارة من الذنوب، والتوبة منها، والتطهر من الشرك.
قال الرازيّ: وهذا القول متعين، لأن التطهر من الذنوب والمعاصي هو المؤثر في القرب من الله تعالى، واستحقاق ثوابه ومدحه، ولأنه تعالى وصف أصحاب مسجد الضرار بمضارّة المسلمين، والكفر بالله، والتفريق بين المسلمين، فوجب كون هؤلاء بالضد من صفاتهم، وما ذاك إلا كونهم مبرئين عن الكفر والمعاصي انتهى.
أقول: لا تسلم دعوى التعيّن، فإن اللفظ يتناول الطهارتين الباطنة والظاهرة. بل الثانية ما
رواه أصحاب السنن والإمام أحمد «١» وابن خزيمة في صحيحه أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأهل قباء: قد أثنى الله عليكم في الطهور، فماذا تصنعون؟ فقالوا: نستنجي بالماء.
(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٦/ ٦، عن محمد بن عبد الله بن سلام.