للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدرك الصلاة في مسجد بني عامر، فقيل له: مسجد بني فلان لم يصلوا فيه بعد، فقال: لا أحب أن أصلي فيه، فإنه بني على ضرار، وكل مسجد بني على ضرار، أو رياء وسمعة فإن أصله ينتهي إلى المسجد الذي بني ضرارا.

وعن عطاء: لما فتح الله تعالى الأمصار على يد عمر رضي الله عنه، أمر المسلمين أن يبنوا المساجد، وألا يتخذوا في مدينة مسجدين، يضارّ أحدهما صاحبه- انتهى.

وقال الإمام ابن القيّم في (زاد المعاد) في فوائد غزوة تبوك:

ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله فيها وهدمها، كما حرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجد الضرار وأمر بهدمه. وهو مسجد يصلى فيه، ويذكر اسم الله فيه. لما كان بناؤه ضرارا وتفريقا بين المؤمنين، ومأوى للمنافقين. وكل مكان هذا شأنه، فواجب على الإمام تعطيله، إما بهدم أو تحريق، وإما بتغيير صورته، وإخراجه عما وضع له. وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار، فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أندادا من دون الله، أحق بذلك وأوجب. وكذلك محال المعاصي والفسوق، كالحانات وبيوت الخمارين وأرباب المنكرات وقد حرق عمر رضي الله عنه قرية بكاملها يباع فيها الخمر، وحرق حانوت رويشد الثقفي وسماه (فريسقا) ، وأحرق قصر سعد عليه لما احتجب عن الرعية. وهمّ «١» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتحريق بيوت تاركي حضور الجماعة والجمعة، وإنما منعه من فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم، كما أخبر هو عن ذلك- انتهى-.

ثم قال ابن القيّم: ومنها أن الوقف لا يصح على غير بر ولا قربة، كما لم يصح وقف هذا المسجد. وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد- نص على ذلك الإمام أحمد وغيره- فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق، فلو وضعا معا لم يجز. ولا يصح هذا الوقف، ولا يجوز، ولا تصحّ الصلاة في هذا المسجد، لنهي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك «٢» ، ولعنه من اتخذ القبر مسجدا، أو أوقد عليه سراجا.


(١) يشير إلى الحديث الذي رواه البخاريّ في صحيحه في: الأذان، ٢٩- باب وجوب صلاة الجماعة حديث رقم ٤٠٨ عن أبي هريرة.
(٢) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه في: الصلاة، ٥٥- باب حدثنا أبو اليمان، حديث رقم ٢٨٥ و ٢٨٦ عن عائشة وعبد الله بن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>