للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكسر العين، ككتف، وهو هور أو هير، ومعناه ساقط أو مشرف على السقوط.

وفاعل (انهار) إما ضمير البنيان، وضمير (به) للمؤسس، أي سقط بنيان الباني بما عليه. أو ل (الشفا) ، وضمير (به) للبنيان. والظاهر في التقابل أن يقال: أم من أسس بنيانه على ضلال وباطل وسخط من الله، ولذا قال في الكشاف: المعنى أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة محكمة قوية، وهي الحق، الذي هو تقوى الله ورضوانه، خير أم من أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها، وأقلها بقاء (وهو الباطل والنفاق) الذي مثله مثل شفا جرف هار في قلة الثبات والاستمساك. وضع (شفا الجرف) في مقابلة (التقوى) ، لأنه جعل مجازا عما ينافي التقوى. يعني أنه شبه الباطل ب (شفا جرف هار) في قلة الثبات، فاستعير للباطل بقرينة مقابلته للتقوى، والتقوى حق، ومنافي الحق هو الباطل. وقوله (فانهار) ترشيح، وباؤه للتعدية، أو للمصاحبة. ف (شفا جرف هار) استعارة تصريحية تحقيقية، والتقابل باعتبار المعنى المجازيّ المراد منها.

فإن قلت: لماذا غاير بينهما حيث أتى بالأول على طريقة الكناية والتخييل، وبالثاني على طريق الاستعارة والتمثيل؟

قلت: التفنن في الطريق رعاية لحق البلاغة، وعدولا عن الظاهر، مبالغة في الطرفين. إذ جعل أولئك مبنيا على تقوى ورضوان، هو أعظم من كل ثواب، وحال هؤلاء على فساد أشرف بهم على أشد نكال وعذاب. ولو أتى به على مقتضى الظاهر لم يفده، ما فيه من التهويل.

وقولنا: (فانهار ترشيح) أوضحه الكشاف بقوله: لما جعل الجرف الهائر مجازا عن الباطل، قيل: فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ على معنى فطاح به الباطل في نار جهنم، إلا أنه رشح المجاز فجيء بلفظ الانهيار الذي هو للجرف، وليصور أن المبطل كأنه أسس بنيانا على شفا جرف من أودية جهنم، فانهار به ذلك الجرف، فهوى في قعرها.

السادس- دلت الآية على أن كل مسجد بني على ما بني عليه مسجد الضرار، أنه لا حكم له ولا حرمة، ولا يصح الوقف عليه. وقد حرق الراضي بالله كثيرا من مساجد الباطنية والمشبهة والمجبرة وسبل بعضها. نقله بعض المفسرين.

قال الزمخشري: قيل: كل مسجد بني مباهاة أو رياء وسمعة أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله، أو بمال غير طيب- فهو لا حق بمسجد الضرار. وعن شقيق أنه لم

<<  <  ج: ص:  >  >>