للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو المسجد النبوي، أي فالحديث ليس في معرض تعيين ما في الآية، بل في بيان الأحق بهذا الوصف الآن.

وقال السهروردي: كل منهما مراد، لأن كلّا منهما أسس على التقوى من أول يوم تأسيسه.

والسر في إجابته صلّى الله عليه وسلّم السؤال عن ذلك، دفع ما توهمه السائل من اختصاص ذلك بمسجد قباء، والتنويه بمزية هذا عن ذاك.

الرابع- قال السهيلي، نور الله مرقده: في الآية- يعني قوله تعالى: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ- من الفقه صحة ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين مع عمر رضي الله عنه حين شاورهم في التاريخ، فاتفق رأيهم على أن يكون من عام الهجرة، لأنه الوقت الذي عزّ فيه الإسلام والحين الذي أمن فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وبنيت المساجد، وعبد الله كما يحب، فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل، وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله تعالى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن. فإن كان الصحابة أخذوه من هذه الآية، فهو الظن بهم، لأنهم أعلم الناس بتأويل كتاب الله وأفهمهم بما في القرآن من الإشارات. وإن كان ذلك على رأي واجتهاد، فقد علمه الله وأشار إلى صحته قبل أن يفعل، إذ لا يعقل قول القائل: فعلته أول يوم إلا بالإضافة إلى عام معلوم، أو شهر معلوم، أو تاريخ معلوم. وليس ها هنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم، لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو حال، فتدبره، ففيه معتبر لمن ادّكر، وعلم لمن رأى بعين فؤاده واستبصر.

الخامس- (التأسيس) وضع الأساس، وهو أصل البناء، وأوله، وبه إحكامه، ففي الآية شبّه التقوى والرضوان تشبيها مكنيّا مضمرا في النفس، بما يعتمد عليه أصل البناء. و (أسس بنيانه) تخييل، فهو مستعمل في معناه الحقيقي، أو هو مجاز بناء على جوازه. فتأسيس البنيان بمعنى إحكام أمور دينه، أو تمثيل لحال من أخلص لله وعمل الأعمال الصالحة، بحال من بنى بناء محكما مؤسسا يستوطنه ويتحصن به. أو (البنيان) استعارة أصلية، و (التأسيس) ترشيح أو تبعية: و (الشفا) : الحرف والشفير. و (جرف الوادي) : جانبه الذي يتحفر أصله بالماء، وتجرفه السيول، فيبقى واهيا. و (الهار) : الهائر، وهو المتصدع الذي أشفى على التهدم والسقوط. قيل: هو مقلوب، وأصله (هاور) أو (هاير) . وقيل: حذفت عينه اعتباطا، فوزنه (فال) .

والإعراب على رائه كباب. وقيل: لا قلب فيه ولا حذف، ووزنه في الأصل (فعل)

<<  <  ج: ص:  >  >>