للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي أن بني عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء أتوا عمر بن الخطاب في خلافته، فسألوه أن يأذن لمجمّع بن جارية أن يؤمهم في مسجدهم فقال: لا، ونعمة عين! أليس هو إمام مسجد الضرار؟ قال مجمع: يا أمير المؤمنين! لا تعجل عليّ، فو الله! لقد صليت فيه وأنا لا أعلم ما أضمروا عليه، ولو علمت ما صليت معهم فيه، وكنت غلاما قارئا للقرآن، وكانوا شيوخا لا يقرءون، فصليت بهم، ولا أحسب إلا أنهم يتقربون إلى الله، ولم أعلم ما في نفوسهم. فعذره عمر، فصدقه وأمره بالصلاة في مسجد قباء.

الثالث- ما قدمناه من أن المسجد في الآية هو مسجد قباء، لأن السياق في معرضه، وبيان أحقية الصلاة فيه من ذاك، لأنه أسس على طاعة الله وطاعة رسوله، وجمع كلمة المؤمنين. ولما في الآية من الإشعار بالحث على تعاهده بالصلاة فيه،

كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يزوره راكبا وماشيا، ويصلي فيه ركعتين- كما في الصحيح «١» -.

وقد روي عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتاهم في مسجد قباء فقال: إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ فقالوا، يا رسول الله! ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه أو مقعدته بالماء، - رواه الإمام أحمد «٢» وأبو داود والطبراني، واللفظ له-.

وقد روي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: هو مسجده- رواه الإمام أحمد «٣» ومسلم.

قال ابن كثير: ولا منافاة. لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطريق الأولى والأحرى- انتهى-.

ومرجعه إلى أن هذا الوصف، وإن كان يصدق عليهما- إلا أن الأحرى به بعد،


(١) أخرجه البخاري في: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، ٤- باب إتيان مسجد قباء ماشيا وراكبا، حديث رقم ٦٤٧ عن ابن عمر.
وأخرجه مسلم في: الحج، حديث رقم ٥١٥.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣/ ٤٢٢.
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣/ ٨. عن أبي سعيد الخدري.
ورواه مسلم في: الحج، حديث رقم ٥١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>