للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلمه الله أنه خارج من الدنيا جزع من الموت وشقّ عليه. فدعا الحواريين فصنع لهم طعاما فقال: احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة. فلما اجتمعوا إليه من الليل عشاهم وقام يخدمهم. فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضئهم بيده ويمسح أيديهم بثيابه. فتعاظموا ذلك وتكارهوه. فقال: ألا من ردّ عليّ الليلة شيئا مما أصنع فليس مني ولا أنا منه. فأقروه حتى إذا فرغ من ذلك قال: أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم على الطعام وغسلت أيديكم بيدي، فليكن لكم بي أسوة.

فإنكم ترون أني خيركم فلا يتعاظم بعضكم على بعض وليبذل بعضكم لبعض نفسه كما بذلت نفسي لكم. وأما حاجتي الليلة التي استعنتكم عليها، فتدعون الله لي وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي. فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا، أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء. فجعل يوقظهم ويقول: سبحان الله! أما تصبرون لي ليلة واحدة تعينوني فيها. فقالوا: والله! ما ندري ما لنا! لقد كنا نسمر فنكثر السمر وما نطيق الليلة سمرا. وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه. فقال:

يذهب بالراعي وتتفرق الغنم. وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعى نفسه. ثم قال:

الحقّ، ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات. وليبيعنّي أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني! فخرجوا فتفرقوا. وكانت اليهود تطلبه. وأخذوا شمعون أحد الحواريين وقالوا: هذا من أصحابه. فجحد وقال: ما أنا بصاحبه.

فتركوه. ثم أخذه آخرون فجحد كذلك. ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه. فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال: ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح؟

فجعلوا له ثلاثين درهما. فأخذها ودلهم عليه. وكان شبّه عليهم قبل ذلك. فأخذوه فاستوثقوا منه وربطوه بالحبل. فجعلوا يقودونه ويقولون له: أنت كنت تحيي الموتى وتنتهر الشيطان وتبرئ المجنون، أفلا تنجي نفسك من هذا الحبل؟ ويبصقون عليه ويلقون عليه الشوك. حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها. فرفعه الله إليه. وصلبوا ما شبّه لهم. فمكث سبعا. ثم إن أمّه والمرأة التي كان يداويها عيسى عليه السلام فأبرأها الله من الجنون، جاءتا تبكيان حيث المصلوب. فجاءهما عيسى فقال: علام تبكيان؟ فقالتا: عليك. فقال: إني قد رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير. وإن هذا شيء شبّه لهم. فأمرا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا. فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر. وفقد الذي كان باعه ودل عليه اليهود فسأل عنه أصحابه فقالوا: إنه ندم على ما صنع، فاختنق وقتل نفسه. فقال: لو تاب لتاب الله عليه. ثم سألهم عن غلام يتّبعهم يقال له يحنّى. فقال: هو معكم، فانطلقوا فإنه يصبح كلّ

<<  <  ج: ص:  >  >>