الله تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ [طه: ١٣١] ، ودعوه إلى طرد المؤمنين عن نفسه فأنزل الله تعالى قوله: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الأنعام: ٥٢] ، فيجوز أن تكون هذه الآيات نزلت في هذا الباب. وذلك أنهم قصدوا أن يفتنوه عن دينه، وأن يزيلوه عن منهجه. فبين تعالى أنه يثبته على الدين القويم والمنهج المستقيم.
وعلى هذا الطريق، فلا حاجة في تفسير هذه الآيات، إلى شيء من تلك الروايات.
والله أعلم.
الثاني: قال القاضي: معنى قوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ الآية، إنك كنت على صدد الركون إليهم، لقوة خداعهم وشدة احتيالهم. لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون، فضلا عن أن تركن إليهم. وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما همّ بإجابتهم، مع قوة الداعي إليها. ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه.
الثالث: قال الزمخشريّ: في ذكر الكيدودة وتقليلها، مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين، دليل بيّن على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته. وفيه دليل على أن أدنى مداهنة للغواة، مضادة لله وخروج عن ولايته، وسبب موجب لغضبه ونكاله. فعلى المؤمن، إذا تلا هذه الآية أن يجثو عندها ويتدبرها فهي جديرة بالتدبر. وبأن يستشعر الناظر فيها الخشية وازدياد التصلب في دين الله.
الرابع: جاء في (حواشي جامع البيان) ما مثاله بالحرف: من الفوائد الجليلة في هذه الآية. أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك، بعد القدرة على هدمها وإبطالها، يوما.
فإنها شعائر الكفر والشرك. وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة. وهكذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت، تعبد من دون الله. والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذور والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض، مع القدرة على إزالته. وكثير منها بمنزلة اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى، وأعظم شرك عندها وبها. فإن اللات- على ما نقله ابن خزيمة عن مجاهد- رجل كان يلتّ لهم السويق فمات. فعكفوا على قبره يعبدونه ويعظمونه. ولم يقولوا إن اللات خلقت السموات والأرض، بل كان شركهم باللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه، من النذور لها ولشرك بها والتمسح بها وتقبيلها واستلامها. وما طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا