للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العذاب الأليم، وهو الأخروي لا غير، فإنه هو الذي يوصف بالأليم. ونفى تعالى عنهم وقوع الإيمان قبل ذلك، فوقوعه منهم قبله قصدا، محال بنص هذه الآية.

إذا تقرر هذان الأصلان، فلنرجع إلى ما قاله هذا الحبر في شأن فرعون في (الفتوحات المكية) وفي (الفصوص) : فالذي ذكره في (الفتوحات) عن ذكره طبقات أهل النار فيها: هو أن فرعون من أهل النار، حيث قال في هذا البحث:

كفرعون وأضرابه، فخص له ولهم من النار طبقة مخصوصة يؤبّدون فيها. وأشار إلى كفره في موضع آخر منها عند ذكره هذا الحديث وهو «١» : أعوذ بك منك؟ قال:

استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقام الاتحاد الذي كان عليه فرعون وهو قوله: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: ٢٤] ، وعلى هذه الإشارة وما تقدم، يكون فرعون كافرا عنده، كما هو عند عامة الخلق. وعلى هذا لا إشكال ولا كلام.

بقي القول على إيمان فرعون ونجاته من حيث الدليل، وهو مجرد بحث مع الذين ذهبوا إلى كفره قطعيا، وليس لهم هذا القطع، لما أن الدليل القرآني يعطي خلافه قال تعالى: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ.. الآية- فذكر فرعون هنا الإيمان ثلاث مرات: اثنتان في الجناب الإلهي، والأخيرة تعمه، والإيمان بموسى حيث قال: وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ولم يكن مسلما إلا من جمع بين الإيمان بالله وبرسوله.

ثم قال شيخنا رحمه الله: وفي (الفتوحات) و (الفصوص) ما حاصله: أن إيمانه لم يكن عند اليأس، لا على مذهبه ومذهب من وافقه، ولا على مذهب غيره.

أما الأول فلأن إيمانه كان عند رؤية العذاب الدنيوي، لا عند احتضاره، والإيمان عند رؤية العذاب الدنيوي لا يعد يأسا عنده، وعند جمع. وأما على الثاني، فلأن قول فرعون ما كان عند يأسه من الحياة الدنيوية، فإنه علم أن من آمن بما آمن به قوم موسى كان له المشاركة في الطريق اليبس التي كانت للمؤمنين، وقد شاركهم في إيمانهم، فكان الغالب على ظنه أو يقينه المعاملة الخاصة بالمؤمنين، والمشاهدة له، وما علم سنة الله في خلقه بأنه لا بد من الهلاك الدنيوي لمن كانت حالته كذلك.

والهلاك في الدنيا لا يدل على عدم النجاة في الآخرة، وهو ظاهر. وعلى هذا فإيمانه لم يكن حال اليأس على المذهبين: فالأول بيقين، والثاني بحسب ما يظهر، ولا بعد


(١) أخرجه مسلم في: الصلاة، حديث ٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>