متعدّدة، وطرق متكثرة، تعجز القوى البشرية. عن ضبطها، يستدلّ بها على وحدانيته، بعضها أوضح من بعض، ليشترك الكل في المعرفة، فيحصل لكلّ بقدر ما هيّئ له، اللهم إلا أن يكون ممن طبع على قلبه، فذلك- والعياذ بالله- هو الشقيّ انتهى.
قال المهايمي: وكيف ينكرون وجود الله، وتوحيده، ورحمانيته، ورحيميته، وقد دلّ عليها دلائل العلويات والسفليات وعوارضهما والمتوسطات؟ ثم قال: أما دلالة السماء والأرض على وجود الإله فلأنهما حادثان. لأن لهما أجزاء يفتقران إليها، فلا بدّ لها من محدث ليس بعض أجزائهما، لأنه دخله التركيب الحادث، والقديم لا يكون محلا للحوادث، والمحدث لا بدّ أن يكون قديما قطعا للتسلسل. وعلى التوحيد، فلأن إله السموات لو كان غير إله الأرض لم يرتبط منافع أحدهما بالآخر.
وعلى الرحمتين لأنه عزّ وجل جعل في الأرض موادّ قابلة للصور المختلفة وأفاضها واحدة بعد أخرى بتحريك السموات. وأما دلالة اختلاف الليل والنهار على وجود الإله فلحدوثهما من حركات السموات ولا بدّ لها من محرك، فإن كان حادثا فلا بدّ له من محدث. وعلى التوحيد، فلأن إله الليل لو كان غير إله النهار لأمكن كل واحد أن يأتي بما هو له في وقت إتيان الآخر بما هو له، فيلزم اجتماعهما وهو محال. فإن امتنع لزم عجز أحدهما أو كليهما. وعلى الرحمتين، فلأن الاعتدال الذي به انتظام أمر الحيوانات إنما يكون من تعاقبهما، إذ دوام الليل مبرّد للعالم في الغاية، ودوام النهار مسخّن له في الغاية. وأما دلالة الفلك على وجود الإله، فلأنها أثقل من الماء فحقّها الرسوب فيها، فإمساكها فوق الماء من الله. ودخول الهواء فيها- وإن كان من الأسباب- فلا يتم عند امتلاء الفلك بالأمتعة الكثيرة، إذ يقلّ الهواء جدا فيضعف أثره في إمساك هذا الثقيل جدا، فلا ينبغي أن ينسب إلّا إلى الله تعالى من أوّل الأمر وعلى التوحيد، فلأن إله الفلك لو كان غير إله البحر لربما منع أحدهما الآخر من التصرف في ملكه، وهو يفضي إلى اختلال نظام العالم لاختلاف المنافع المنوطة بالفلك وعلى الرحمتين فلأنه رحم المسافرين بالتجارات، والمسافر إليهم بالأمتعة التي يحتاجون إليها. وأما دلالة إنزال الماء على وجود الإله، فلأنه أثقل من الهواء، فوجوده في مركزه لا يكون إلّا من الله. وعلى التوحيد، فلأنّ إله الماء لو كان غير إله الهواء، لمنع من التصرف في ملكه. وعلى الرحمتين، فلأنّه أحيى به الأرض معاشا للحيوانات، وبثّ به الدواب تكميلا لمنافع الإنسان. وأما دلالة تصريف الرياح على وجود الإله، فلأنها حادثة تحدث هذه مرّة وهذه أخرى، وقد يعدم الكلّ، فلا بدّ من