كقوله: قبح الله وجهه. والثاني- إزالة آثارهم عن بلاد العرب ومحو أحوالهم عنها.
وثمة تأويل آخر. وهو: أن المراد بالوجوه الوجهاء. على أن الطمس بمعنى مطلق التغيير. أي من قبل أن نغيّر أحوال وجهائهم، فنسلب إقبالهم ووجاهتهم، ونكسوهم صغارا وإدبارا.
وقال بعضهم: الأظهر حمل قوله أَوْ نَلْعَنَهُمْ إلخ على اللعن المتعارف. قال:
ألا ترى إلى قوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ [المائدة: ٦٠] . ففصل تعالى بين اللعن وبين مسخهم قردة وخنازير.
وأقول: لا يخفى أن جميع ما ذكر من التأويلات، غير الأول، لا يساعده مقام تشديد الوعيد، وتعميم التهديد. فإن المتبادر من اللفظ الحقيقة. ولا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذر إرادتها. ولا تعذر هنا. كما أن المتبادر من اللعن، المشبه بلعن أصحاب السبت، هو المسخ. وهو الذي تقتضيه بلاغة التنزيل. إذ فيه الترقي إلى الوعيد الأفظع. ولا ننكر أن تكون هذه التأويلات مما يشمله لفظ الآية. وإنما البحث في دعوى إرادتها دون سابقها. فالحق أن المتبادر من النظم الكريم هو الأول لأنه أدخل في الزجر. ويؤيده ما روي، أن كعب الأحبار أسلم حين سمع هذه الآية.
رواه ابن جرير «١» وابن أبي حاتم ولفظه بعد إسناده: عن أبي إدريس عائذ الله الخولانيّ قال: كان أبو مسلم الجليليّ معلم كعب. وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال فبعثه إليه ينظر أهو هو؟ قال كعب: فركبت حتى أتيت المدينة. فإذا تال يقرأ القرآن، يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها. فاغتسلت، وإني لأمسّ وجهي مخافة أن أطمس.
ثم أسلمت.
وروى، من غير طريق، نحوه أيضا.
فإن قيل: قرينة المجاز عدم وقوع المتوعد به. فالجواب: أن عدم وقوعه لا يعين إرادة المجاز. إذ ليس في الآية دلالة على تحتم وقوعه إن لم يؤمنوا. ولو فهم منها هذا فهما أوليّا لكان إيمانهم بعدها إيمان إلجاء واضطرار. وهو ينافي التكليف الشرعيّ. إذ لم تجر سنته تعالى بهذا. بل النظم الكريم في هذا المقام محتمل ابتداء