للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكون بالمعاداة بالقلب للمؤمنين والمودة للكفار على كفرهم، ولا لبس في تحريم ذلك، ولا يدخله استثناء والموالاة بإظهار التعظيم وحسن المخاللة والمصادقة بإظهار الأسرار ونحو ذلك، فلا لبس في تحريم ذلك ولا يدخله استثناء. والموالاة بإظهار التعظيم وحسن المخاللة والمشاورة فيما لا يضر المسلمين، فظاهر كلام الزمخشريّ أنه لا يجوز إلا للتقية. فحصل من هذا أن الموالي للكافر والفاسق عاص، ولكن أين تبلغ معصيته؟ يحتاج إلى تفصيل: إن كانت الموالاة بمعنى الموادة، وهي أن يوده لمعصيته كان ذلك كالرضا بالمعصية. وإن كانت الموالاة كفرا. كفر. وإن كانت فسقا، فسق. وإن كانت لا توجب كفرا ولا فسقا، لم يكفر ولم يفسق. وإن كانت الموالاة بمعنى المحالفة والمناصرة، فإن كانت محالفة على أمر مباح أو واجب، كأن يدفع المؤمنون عن أهل الذمة من يتعرض لهم. ويخالفونهم على ذلك، فهذا لا حرج فيه بل هو واجب. وإن كانت على أمر محظور كأن يحالفوهم على أخذ أموال المسلمين والتحكم عليهم، فهذه معصية بلا إشكال، وكذلك إذا كانت بمعنى أنه يظهر سر المسلمين ويحبّ سلامة الكافرين لا لكفرهم بل ليد لهم عليه أو لقرابة أو نحو ذلك، فهذا معصية بلا إشكال. لكن لا تبلغ حدها الكفر لأنه لم يرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حكم بكفر حاطب بن أبي بلتعة.

وقال الراضي بالله: إن مناصرة الكفار على المسلمين توجب الكفر. لأنه صلّى الله عليه وسلم قال للعباس: ظاهرك علينا. وقد اعتذر بأنه خرج مكرها. وأما مجرد الإحسان إلى الكافر فجائز لا ليستعين به على المسلمين، ولا لإيناسه. وكذلك أن يضيق لضيقه في قضية معينة لأمر مباح فجائز، كما كان من ضيق المسلمين من غلب فارس الروم.

فصار تحقيق المذهب أن الذي يوجب الكفر من الموالاة أن يحصل من الموالي الرضا بالكفر. والذي يوجب الفسق أن يحصل الرضا بالفسق. إن قيل: فما حكم من يجند مع الظلمة ليستعينوا به على الجبايات وأنواع الظلم؟ قلنا: عاص بلا إشكال، وفاسق بلا إشكال لأنه صار من جملتهم. وفسقهم معلوم. فإن قيل: فإن تجند معهم لحرب إمام المسلمين؟ قلنا: صار باغيا، وحصل فسقه من جهة البغي والظلم. فإن قيل: حكي عن المهديّ عليّ بن محمد عليه السلام أنه كفّر من تجند مع سلطان اليمن وقضى بردته، قلنا: هذا يحتاج إلى بيان وجه التكفير بدليل قطعيّ، وإن ساغ أن نقول ذلك اصطلاح لأمر الإمام كما رد الهادي عليه السلام شهادة من امتنع من بيعة الإمام كان ذلك محتملا- انتهى كلامه رحمه الله.

ومن هذه الآية استنبط الأئمة مشروعية التقية عند الخوف، وقد نقل الإجماع

<<  <  ج: ص:  >  >>