للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلف على ما كانوا عليه على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم. فإنهم خير القرون. وخير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، فلا يعدل أحد عن هدى خير الخلق، وهدى خير القرون، إلى ما هو دونه. وينبغي للمطاع أن يقرر ذلك مع أصحابه، بحيث إذا رأوه لم يقوموا له، ولا يقوم لهم، إلا في اللقاء المعتاد. فأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك، تلقيا له، فحسن. وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام، ولو ترك ذلك لاعتقد أن ذلك بخس في حقه، أو قصد لخفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة، - فالأصلح أن يقام له، لأن ذلك إصلاح لذات البين، وإزالة للتباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة، فليس في ترك ذلك إيذاء له.

وليس هذا القيام هو القيام المذكور في

قوله صلى الله عليه وسلم: من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار

. فإن ذلك أن يقوموا وهو قاعد. ليس هو أن يقوموا لمجيئه إذا جاء. ولهذا فرقوا بين أن يقال (قمت إليه) و (قمت له) . والقائم للقادم ساواه في القيام، بخلاف القيام للقاعد.

وقد ثبت في صحيح مسلم «١»

أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم قاعدا في مرضه، وصلّوا قياما. أمرهم بالقعود، وقال: لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضا

، فقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد. لئلا يشبهوا الأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود. وجماع ذلك أن الذي يصلح، اتباع عادة السلف وأخلاقهم، والاجتهاد بحسب الإمكان. فمن لم يعتد ذلك، أو لم يعرف أنه العادة، وكان في ترك معاملته بما اعتاده الناس من الاحترام مفسدة راجحة، فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، كما يجب فعل أعظم الصلاحين بتفويت أدناهما. انتهى كلام شيخ الإسلام، رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.

الثالث- قال ابن كثير: روي عن ابن عباس والحسن البصريّ وغيرهما أنهم قالوا في قوله تعالى: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يعني في مجالس الحرب. قالوا: ومعنى قوله وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا أي انهضوا للقتال.

وقال قتادة: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا أي إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا.

وقال مقاتل: إذا دعيتم إلى الصلاة فارتفعوا بها.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كانوا إذا كانوا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم في بيته فأرادوا الانصراف، أحب كل منهم أن يكون هو آخرهم خروجا من عنده. فربما يشق ذلك عليه، عليه السلام، وقد تكون له الحاجة. فأمروا أنهم إذا أمروا بالانصراف أن


(١) أخرجه أبو داود في: الأدب، ١٥٢- باب قيام الرجل للرجل، حديث ٥٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>