للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الرزق، وبغضا في قلوب الخلق. كما روي ذلك عن ابن عباس، يوضحه أن الله ضرب مثل إيمان المؤمنين بالنور، وأعمال الكفار بالظلمة. والإيمان اسم جامع لكل ما يحبه الله. والكفر اسم جامع لكل ما يبغضه، وإن كان لا يكفر العبد إذا كان معه أصل الإيمان وبعض فروع الكفر من المعاصي. كما لا يصير مؤمنا إذا كان معه بعض فروع الإيمان. ولغضّ البصر اختصاص بالنور كما

في حديث أبي هريرة الذي صححه الترمذيّ «١» : أن العبد إذا أذنب.. الحديث.

وفيه: فذلك الرّان الذي ذكر الله. وفي الصحيح «٢» : إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة. والغين حجاب رقيق أرقّ من الغيم، فأخبر أنه يستغفر ليزيل الغين، فلا يكون نكتة سوداء. كما أنها إذا أزيلت لا تصير رينا. وقال حذيفة: إن الإيمان يبدو في القلب لمظة بيضاء.

فكلما ازداد العبد إيمانا، ازداد قلبه بياضا، وفي خطبة الإمام أحمد، في الرد على الزنادقة: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى. يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصّرون بنور الله أهل العمى.. إلخ. وقد قرن الله سبحانه بين الهدى والضلال بما يشبه هذا. كقوله تعالى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ [فاطر: ١٩- ٢٠] ، وقال: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ [هود: ٢٤] ، وقال: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً

[البقرة: ١٧] الآيات، وهذا النور الذي يكون للمؤمن في الدنيا على حسن عمله واعتقاده، يظهر في الآخرة، كما قال تعالى: يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ.. [الحديد: ١٢- ١٥] الآية، فذكر النور هنا عقيب أمره بالتوبة، كما في سورة النور عقيب أمره بغض البصر والتوبة. وذكر ذلك بعد أمره بحقوق الأهلين والأزواج وما يتعلق بالنساء. وقال في سورة الحديد يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ إلى قوله: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحديد: ١٢- ١٥] ، فأخبر سبحانه أن المنافقين يفقدون النور الذي كان المؤمنون يمشون به، ويطلبون الاقتباس من نورهم، فيحجبون عن ذلك بحجاب يضرب بينهم.

كما أنهم في الدنيا لما فقدوا النور كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [البقرة: ١٧] الآية.

وقوله تعالى:


(١) أخرجه الترمذي في: التفسير، ٨٣- سورة المطففين، حدثنا قتيبة، حدثنا الليث.
(٢) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>