مسير أبرهة الحبشي بجنده مع الفيل إلى بيت الله الحرام لتخريبه، وواقعة الفيل في ذاتها معروفة متواترة الرواية. حتى إنهم جعلوها مبدأ تاريخ يحددون به أوقات الحوادث. فيقولون: ولد عام الفيل وحدث كذا لسنتين بعد عام الفيل ونحو ذلك.
وتفصيل نبئها على ما أثره ابن هشام: أن أبرهة الحبشي كان أمير صنعاء للنجاشي.
وكان ذا دين في النصرانية. فبنى بصنعاء كنيسة لم ير مثلها في زمانها. ثم كتب للنجاشي: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك.
ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي غضب رجل من كنانة فخرج حتى أتى الكنيسة فقعد فيها (أي أحدث فيها) ثم خرج فلحق بأرضه. فأخبر بذلك أبرهة فقال: من صنع هذا؟ فقيل صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة، لما سمع قولك (أصرف إليها حج العرب) غضب فجاء فقعد فيها. أي أنها ليست لذلك بأهل.
فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرنّ إلى البيت حتى يهدمه. ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت. ثم سار وخرج معه بالفيل. وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا به، ورأوا جهاده حقا عليهم، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام. فخرج إليه رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر. فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله الحرام، وما يريد من هدمه وإخرابه. فأجابه إلى ذلك من أجابه. ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه وأتى به أسيرا. فلما أراد قتله قال له ذو نفر: أيها الملك! لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي. فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق. وكان أبرهة رجلا حليما. ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له.
حتى إذا كان بأرض خثعم عرض نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلي خثعم: شهران وناهس، ومن تبعه من قبائل العرب. فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل أسيرا. فأتى به.
فلما هم بقتله قال له نفيل: أيها الملك! لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب. وهاتان يداي لك على قبيلي خثعم: شهران وناهس، بالسماع والطاعة. فخلى سبيله وخرج به معه يدله. حتى إذا مر بالطائف خرج له مسعد بن معتب الثقفي في رجاله ثقيف.
فقالوا له: أيها الملك! إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون، ليس عندنا لك خلاف، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد- يعنون اللات- إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه. فتجاوز عنهم- واللات بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة- فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة.