للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: هذه بتلك. وكان صلى الله عليه وسلم يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها. وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد. يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار. وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام. يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. انتهى.

وقال الغزاليّ في (الإحياء) في (آداب المعاشرة وما يجري في دوام النكاح) :

الأدب الثاني- حسن الخلق معهن واحتمال الأذى منهن، ترحما عليهن، لقصور عقلهن. قال الله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ: وقال في تعظيم حقهن:

وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً [النساء: ٢١] . وقال تعالى: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء: ٣٦] . قيل: هي المرأة.

ثم قال: واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل. وراجعت امرأة عمر عمر رضي الله عنه فقال: أتراجعيني؟ فقالت: إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه، وهو خير منك.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة «١» : «إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليّ غضبى. قالت. فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا. ورب محمد! وإذا كنت غضبى قلت: لا. ورب إبراهيم! قالت. قلت: أجل. والله! يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك» .

ثم قال الغزالي: الثالث- أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة. فهي التي تطيب قلوب النساء. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال. حتى

روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوما وسبقها في بعض الأيام. فقال صلى الله عليه وسلم: هذه بتلك.

قال العراقيّ: رواه أبو داود «٢» ، والنسائي في (الكبرى) وابن ماجة في حديث عائشة بسند صحيح.

وقالت عائشة رضي الله عنها: سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم


(١) أخرجه البخاريّ في: النكاح، ١٠٨- باب غيرة النساء ووجدهن.
(٢) أخرجه أبو داود في: الجهاد، ٦١- باب في السبق على الرجل، حديث ٢٥٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>