حديث عمار ما نصه: قد استدل المصنف (يعني البخاريّ) بهذا الحديث على عدم لزوم الذراعين في التيمم في موضع. وعلى عدم وجوب الضربة الثانية في موضع آخر، وكذا سيجيء في الروايات هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قدم في هذه الواقعة الكفين على الوجه. فاستدل به القائل لعدم لزوم الترتيب. فلعل القائل بخلاف ذلك يقول: إن هذا الحديث ليس مسوقا لبيان عدد الضربات ولا لبيان تحديد اليد في التيمم ولا لبيان عدم لزوم الترتيب. بل ذلك أمر مفوض إلى أدلة خارجة، وإنما هو مسوق لرد ما زعمه عمار من أن الجنب يستوعب البدن كله، والقصر في قوله:(إنما كان يكفيك) معتبر بالنسبة إليه. كما هو القاعدة أن القصر يعتبر بالنظر إلى زعم المخاطب.
فالمعنى: إنما يكفيك استعمال الصعيد في عضوين: وهما الوجه واليد. وأشار إلى اليد ب (الكف) . ولا حاجة إلى استعماله في تمام البدن. وعلى هذا يستدل على عدد الضربات وتحديد اليد ولزوم الترتيب أو عدمه بأدلة أخر. كحديث: التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين. وغير ذلك. فإنه صحيح كما نص عليه بعض الحفاظ. وهو مسوق لمعرفة عدد الضربات وتحديد اليد، فيقدم على غير المسوق لذلك. والله تعالى أعلم. انتهى كلامه.
وقوله: فإنه حديث صحيح، فيه ما تقدم.
وقد قال الإمام ابن القيم في (زاد العماد) في (فصل هديه صلى الله عليه وسلم بالتيمم) ما نصه: كان صلى الله عليه وسلم يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين. ولم يصح عنه أنه تيمم بضربتين ولا إلى المرفقين. قال الإمام أحمد: من قال: إن التيمم إلى المرفقين فإنما هو شيء زاده من عنده. وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها. ترابا كانت أو سبخة أو رملا. وصح عنه أنه
قال: حيثما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره
. وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل فالرمل له طهور. ولما سافر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه في غزوة تبوك، قطعوا تلك الرمال في طريقهم، وماؤهم في غاية القلة. ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب، ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه. مع القطع بأن في المفاوز، الرمال أكثر من التراب. وكذلك أرض الحجاز وغيره. ومن تدبر هذا قطع بأنه كان يتيمم بالرمل. والله أعلم. وهذا قول الجمهور.
وأما ما ذكر في صفة التيمم من وضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور اليمنى، ثم إمرارها إلى المرفق، ثم إدارة بطن كفه على بطن الذراع، وإقامة إبهامه اليسرى كالمؤذن إلى أن يصل إلى إبهامه اليمنى، فيطبقها عليها- فهذا مما يعلم