وقال الحافظ ابن حجر أيضا في قول أسيد (ما هي بأول بركتكم) : يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك. فيقوّي قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد.
وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الأخباريّ فقال: سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وفي غزوة بني المصطلق.
وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع ... الحديث. فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق. لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة، وهي بعدها بلا خلاف قال: وسيأتي في المغازي أن البخاريّ يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومه كان في وقت إسلام أبي هريرة. ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك، ما رواه الطبرانيّ من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه. فقال لي أبو بكر: يا بنية! في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس؟ فأنزل الله عز وجل الرخصة في التيمم. فقال أبو بكر: إنك لمباركة (ثلاثا) . وفي إسناده محمد بن حميد الرازيّ وفيه مقال. وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر الذي أبهم في حديث الباب، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين. والله أعلم. انتهى كلام الحافظ.
وقال الإمام شمس الدين ابن القيّم في (زاد المعاد) في (غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق) : إنها كانت في شعبان سنة خمس. وبعد ذكرها قال: قال ابن سعد: وفي هذه الغزوة سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه، فنزلت آية التيمم. ثم ساق حديث الطبرانيّ المتقدم وقال: هذا يدل على أن قصة العقد التي نزل التيمم لأجلها بعد هذه الغزوة. وهو الظاهر. ولكن فيها كانت قصة الإفك بسبب فقد العقد والتماسه. فالتبس على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى. انتهى.
وقد روي سبب نزول الآية المذكورة أيضا عن عمار بن ياسر رضي الله عنه «١» قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرّس بأولات الجيش ومعه عائشة فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء. فتغيظ عليها أبو بكر. وقال: حبست الناس وليس معهم ماء! فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهّر بالصعيد الطيب. فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا
(١) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ١٢١- باب التيمم، حديث ٣٢٠. [.....]