للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضع. ومع هذا التعطيل الذي هو شر من الشرك، فالإمام أحمد ترحّم عليهم واستغفر لهم، وقال: ما علمت أنهم مكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم، ولا جاحدون لما جاء به.

لكنهم تأوّلوا فأخطأوا. وقلدوا من قال ذلك. والإمام الشافعيّ لما ناظر حفص الفرد، من أئمة المعطلة، في مسألة (القرآن مخلوق) قال له الإمام الشافعيّ: كفرت بالله العظيم. فكفّره ولم يحكم بردته بمجرد ذلك. ولو اعتقد ردته وكفره لسعى في قتله.

وأفتى العلماء بقتل دعاتهم مثل غيلان القدريّ والجعد بن درهم وجهم بن صفوان إمام الجهمية وغيرهم. وصلى الناس عليهم ودفنوهم مع المسلمين. وصار قتلهم من باب قتل الصائل. لكفّ ضررهم، لا لردتهم. ولو كانوا كفارا لرءاهم المسلمون كغيرهم. وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع. وقال ابن القيّم في (شرح المنازل) : أهل السنة متفقون على أن الشخص الواحد يكون فيه ولاية لله وعداوة، من وجهين مختلفين. ويكون محبوبا لله ومبغوضا من وجهين. بل يكون فيه إيمان ونفاق، وإيمان وكفر، ويكون إلى أحدهما أقرب من الآخر. فيكون إلى أهله كما قال تعالى: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ [آل عمران: ١٦٧] . وقال: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ. فأثبت لهم، تبارك وتعالى، الإيمان مع مقارنة الشرك. فإن كان مع هذا الشرك تكذيب لرسله لم ينفعهم ما معهم من الإيمان. وإن كان تصديق برسله وهم يرتكبون لأنواع من الشرك لا تخرجهم عن الإيمان بالرسل واليوم الآخر- فهم مستحقون للوعيد أعظم من استحقاق أهل الكبائر. وبهذا الأصل أثبت أهل السنة دخول أهل الكبائر النار ثم خروجهم منها ودخولهم الجنة، لما قام بهم من السببين. قال: وقال ابن عباس، في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [المائدة: ٤٤] قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس بكفر ينقل عن الملة. إذا فعله فهو به كفر. وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر.

وكذلك قال طاوس وعطاء. انتهى كلامه.

وقال الشيخ تقيّ الدين: كان الصحابة والسلف يقولون: إنه يكون في العبد إيمان ونفاق. وهذا يدل عليه قوله عز وجل: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ [آل عمران: ١٦٧] . وهذا كثير في كلام السلف. يبيّنون أن القلب يكون فيه إيمان ونفاق. والكتاب والسنة يدل على ذلك. ولهذا

قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «١» : «يخرج


(١) أخرجه البخاريّ في: التوحيد، ٢٤- باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، حديث ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>