السنة إلى الكتاب. قال ابن عبد البرّ: يريد أنها تقضي عليه وتبين المراد منه.
وسئل أحمد بن حنبل عن الحديث الذي روى أن السنة قاضية على الكتاب.
فقال: ما أجسر على هذا أن أقوله. ولكني أقول: إن السنة تفسر الكتاب وتبيّنه.
فهذا الوجه في التفصيل أقرب إلى المقصود وأشهر في استعمال العلماء في هذا المعنى.
ومنها النظر إلى ما دل عليه الكتاب في الجملة وأنه موجود في السنة على الكمال، زيادة إلى ما فيها من البيان والشرح. وذلك أن القرآن الكريم أتى بالتعريف بمصالح الدارين جلبا لها والتعريف بمفاسدهما دفعا لها. وقد مرّ أن المصالح لا تعدو الثلاثة الأقسام: وهي الضروريات ويلحق بها مكملاتها. والحاجيات ويضاف مكملاتها. والتحسينيات ويليها مكملاتها. ولا زائد على هذه الثلاثة. وإذا نظرنا إلى السنة وجدناها لا تزيد على تقدير هذه الأمور. فالكتاب أتى بها أصولا يرجع إليها. والسنة أتت بها تفريعا على الكتاب وبيانا لما فيه منها. فلا تجد في السنة إلا ما هو راجع إلى تلك الأقسام. فالضروريات الخمس كما تأصلت في الكتاب تفصلت في السنة.
فإن حفظ الدين حاصله في ثلاثة معان: وهي الإسلام والإيمان والإحسان.
فأصلها في الكتاب وبيانها في السنة. ومكمله ثلاثة أشياء: وهي الدعاء إليه بالترغيب والترهيب، وجهاد من عانده أو رام إفساده، وتلافي النقصان الطارئ في أصله. وأصل هذه في الكتاب وبيانها في السنة على الكمال.
وحفظ النفس حاصله في ثلاثة معان: وهي إقامة أصله بشرعية التناسل.
وحفظ بقائه بعد خروجه من العدم إلى الوجود من جهة المأكل والمشرب. وذلك ما يحفظه من داخل. والملبس والمسكن. وذلك ما يحفظه من خارج. وجميع هذا مذكور أصله في القرآن ومبين في السنة. ومكمله ثلاثة أشياء: وذلك حفظه عن وضعه في حرام كالزنى، وذلك بأن يكون على النكاح الصحيح. ويلحق به كل ما هو من متعلقاته كالطلاق والخلع واللعان وغيرها. وحفظ ما يتغذى به أن يكون مما لا يضر أو يقتل أو يفسد. وإقامة ما لا تقوم هذه الأمور إلا به من الذبائح والصيد وشرعية الحدّ والقصاص ومراعاة العوارض اللاحقة وأشباه ذلك. وقد دخل حفظ النسل في هذا القسم. وأصوله في القرآن. والسنة بينتها. وحفظ المال راجع إلى مراعاة دخوله في الأملاك. وكتنميته أن لا يفي ومكمله دفع العوارض وتلافي الأصل