للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء برأي خير منه قبلناه. ولهذا لما اجتمع أفضل أصحابه، أبو يوسف بإمام دار الهجرة، مالك بن أنس وسأله عن مسألة الصاع، وصدقة الخضراوات، ومسألة الأحباس، فأخبره مالك رضي الله عنه بما دلت عليه السنة في ذلك. فقال: رجعت لقولك يا أبا عبد الله. ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت.

ومالك رحمه الله كان يقول: إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة. أو كلام هذا معناه.

والشافعيّ رحمه الله كان يقول: إذا صح الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط. وإذا رأيت الحجة موضوعة على طريق فهي قولي.

ثم قال ابن تيمية: وإذا قيل لهذا المستفني المسترشد: أنت أعلم أم الإمام الفلانيّ؟ كانت هذه معارضة فاسدة. لأن الإمام الفلانيّ قد خالفه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة. ولست من هذا ولا من هذا. ولكن نسبه هؤلاء الأئمة إليّ نسبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبيّ ومعاذ ونحوهم إلى الأئمة وغيرهم.

فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع، فإذا تنازعوا في شيء ردوه إلى الله وإلى رسوله، وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع أخر. وكذلك موارد النزاع بين الأئمة. وقد ترك الناس قول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في مسألة تيمم الجنب. وأخذوا بقول أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه وغيره، لما احتج بالكتاب والسنة. وتركوا قول عمر رضي الله عنه في دية الأصابع، وأخذوا بقول معاوية بن أبي سفيان، لما كان من السنة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: هذه وهذه سواء، وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس رضي الله عنهما في المتعة. فقال له: قال أبو بكر وعمر. فقال ابن عباس: يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء. أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر. وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما، لما سألوه عنها، فأمر بها فعارضوه بقول عمر. فبين لهم أن عمر لم يرد ما يقولونه. فألحوا عليه فقال لهم. أرسول الله أحق أن يتبع أم عمر؟ مع علم الناس بأن أبا بكر وعمر أعلم من ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم. ولو فتح هذا الباب لأوجب أن يعرض عن أمر الله ورسوله، وبقي كل إمام في أتباعه بمنزلة النبيّ في أمته. وهذا تبديل للدين وشبيه بما عاب الله به النصارى في قوله: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: ٣١] . والله سبحانه أعلم. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>