للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء: ١١] فبقيت البنتان مسكوتا عنهما. فنقل في السنة حكمهما. وهو إلحاقهما بما فوق البنتين. ذكره القاضي إسماعيل. فهذه أمثلة يستعان بها على ما سواها، فإنه أمر واضح لمن تأمل، وراجع إلى أحد الأصلين المنصوص عليهما أو إليهما معا، فيأخذ من كل منهما بطرف فلا يخرج عنهما ولا يعدوهما. وأما مجال القياس فإنه يقع في الكتاب العزيز أصول تشير إلى ما كان من نحوها أن حكمه حكمها، وتقرب إلى الفهم الحاصل من إطلاقها أن بعض المقيدات مثلها. فيجتزي بذلك الأصل عن تفريع الفروع اعتمادا على بيان السنة فيه.

وهذا النحو بناء على أن المقيس عليه، وإن كان خاصا، في حكم العام معنى.

فإذا كان كذلك ووجدنا في الكتاب أصلا وجاءت السنة بما في معناه، أو ما يلحق به، أو يشبهه، أو يدانيه فهو المعنى هاهنا. وسواء علينا أقلنا إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قاله بالقياس أو بالوحي، إلا أنه جار إفهامنا مجرى المقيس، والأصل الكتاب شامل له. وله أمثلة:

أحدها: أن الله عزّ وجلّ حرم الربا، وربا الجاهلية الذي قالوا فيه إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا [البقرة: ٢٧٥] هو فسخ الدين في الدين. يقول الطالب: إما أن تقضي وإما أن تربي. وهو الذي دل عليه أيضا قوله تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة: ٢٧٩]

فقال عليه السلام: «وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله» «١»

وإذا كان كذلك، وكان المنع فيه، إنما هو من أجل كونه زيادة على غير عوض، ألحقت السنة به كل ما فيه زيادة بذلك المعنى،

فقال عليه السلام «الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد، فمن زاد وازداد فقد أربى، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» «٢»

، ثم زاد على ذلك بيع النّساء إذا اختلفت الأصناف. وعده من الربا لأن


(١)
أخرجه أبو داود في المناسك، باب صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم، حديث ١٩٠٥: ... فخطب الناس فقال: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع. ودماء الجاهلية موضوعة. وأول دم أضعه دماؤنا: دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. وربا الجاهلية موضوع. وأول ربا أضعه ربانا: ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ... » إلخ
. (٢) أخرجه مسلم في المساقاة، حديث ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>